كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ، - فِي كِتَابِهِ وَقَدْ رَأَيْتُهُ - وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ: أَنْشِدْنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هَاشِمٍ لِذِي النُّونِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «
[البحر البسيط]
§الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا لَا نَفَادَ لَهُ ... حَمْدًا يَفُوتُ مَدَى الْإِحْصَاءِ وَالْعَدَدِ
وَيُعْجِزُ اللَّفْظَ وَالْأَوْهَامَ مَبْلَغُهُ ... حَمْدًا كَثِيرًا كَإِحْصَاءِ الْوَاحِدِ الصَّمَدِ
مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ مُذْ خُلِقَتْ ... وَوَزْنَهُنَّ وَضِعْفُ الضِّعْفِ فِي الْعَدَدِ
وَضِعْفُ مَا كَانَ وَمَا قَدْ يَكُونُ إِلَى ... بَعْدَ الْقِيَامَةِ أَوْ يَفْنَى مَدَى الْأَبَدِ
وَضِعْفُ مَا دَارَتِ الشَّمْسُ الشُّرُوقَ بِهِ ... وَمَا اخْتَفَى فِي سَمَاءٍ أَوْ ثَرًى جُرْدِ
وَضِعْفُ أَنْعُمِهِ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ ... وَكُلِّ نَفْسَةِ نَفْسٍ وَاكْتِسَابِ يَدِ
شُكْرًا لِمَا خَصَّنَا مِنْ فَضْلِ نِعْمَتِهِ ... مِنَ الْهُدَى وَلَطِيفِ الصُّنْعِ وَالرَّفَدِ
رَبِّ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ يُحِيطُ بِهِ ... وَهُوَ الْمُحِيطُ بِنَا فِي كُلِّ مُرْتَصَدِ
لَا الْأَيْنَ وَالْحَيْثُ وَالْكَيْفُ يُدْرِكُهُ ... وَلَا يُحَدُّ بِمِقْدَارٍ وَلَا أَمَدِ
وَكَيْفَ يُدْرِكُهُ حَدُّ وَلَمْ تَرَهُ عَيْنٌ ... وَلَيْسَ لَهُ فِي الْمِثْلِ مِنْ أَحَدِ
أَمْ كَيْفَ يَبْلُغُهُ وَهْمٌ بِلَا شَبَهٍ ... وَقَدْ تَعَالَى عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْوَلَدِ
مَنْ أَنْشَأَ قَبْلَ الْكَوْنِ مُبْتَدِعًا ... مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ قَدِيمٍ كَانَ فِي الْأَبَدِ
وَدَهَرَ الدَّهْرَ وَالْأَوْقَاتَ وَاخْتَلَفَتْ ... بِمَا يَشَاءُ فَلَمْ يَنْقُصْ وَلَمْ يَزِدِ
إِذْ لَا سَمَاءٌ وَلَا أَرْضٌ وَلَا شَبَحٌ ... فِي الْكَوْنِ سُبْحَانَهُ مِنْ قَاهِرٍ صَمَدِ
-[389]-
مَا ازْدَادَ بِالْخَلْقِ مُلْكًا حِينَ أَنْشَأَهُمْ ... وَلَا يُرِيدُ بِهِمْ دَفْعًا لِمُضْطَهِدِ
وَكَيْفَ وَهْوَ غَنِيٌّ لَا افْتِقَارَ بِهِ ... وَالْخَلْقُ تُضْطَرُّ بِالتَّصْرِيفِ وَالْأَوَدِ
وَلَمْ يَدَّعِ خَلْقَ مَا لَمْ يُبْدِ خَلَقْتَهُ ... عَجْزًا عَلَى سُرْعَةٍ مِنْهُ وَلَا تُؤَدِ
إِحَاطَةً بِجَمِيعِ الْغَيْبِ عَنْ قَدَرٍ ... أَحْصَى بِهَا كُلَّ مَوْجُودٍ وَمُفْتَقَدِ
وَكُلُّهُمْ بِافْتِقَارِ الْفَقْرِ مُعْتَرِفٌ ... إِلَى فَوَاضِلِهِ فِي كُلِّ مُعْتَمَدِ
الْعَالِمُ الشَّيْءَ فِي تَصْرِيفِ حَالَتِهِ ... وَمَا عَادَ مِنْهُ وَمَا يَمْضِي فَلَمْ يَعُدِ
وَيَعْلَمُ السِّرَ مِنْ نَجْوى الْقُلُوبِ ... وَمَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَفِيٌّ جَالَ فِي خَلَدِ
وَيَسْمَعُ الْحِسَّ مِنْ كُلِّ الْوَرَى وَيَرَى ... مَدَارِجَ الذَّرِّ فِي صَفْوَانِهِ الْجَلْدِ
وَمَا تَوَارَى مِنَ الْأَبْصَارِ فِي ظُلَمٍ ... تَحْتَ الثَّرَى وَقَرَارِ الْغَمِّ وَالثَّمَدِ
الْأَوَّلُ الْآخَرُ الْفَرْدُ الْمُهَيْمِنُ لَمْ ... يَعْزُبْ وَلَمْ يَدَّكِرْ قُرْبٌ وَلَا بُعْدِ
عَالٍ عَلِيٌّ عَلِيمٌ لَا زَوَالَ لَهُ ... وَلَمْ يَزَلْ أَزَلِيًّا غَيْرَ ذِي فَقَدِ
وَجَلَّ فِي الْوَصْفِ عَنْ كُنْهِ الصِّفَاتِ ... وَعَنْ مَقَالِ ذِي الشَّكِّ وَالْإِلْحَادِ وَالْعَنَدِ
مَنْ لَا يُجَازَى بِنُعْمًى مِنْ فَوَاضِلِهِ ... وَلَمْ يَنَلْهُ بِمَدْحٍ وَصْفُ مُجْتَهِدِ
وَكُلُّ فِكْرَةِ مَخْلُوقٍ إِذَا اجْتَهَدَتْ ... بِمَدْحِهِ لَمْ تَنَلْ إِلَّا إِلَى الْأَبَدِ
مُسَبَّحٌ بِلُغَاتِ الْعَارِفَاتِ بِهِ ... لَمْ تَدْرِ مَا غَيْرُهُ رَبًّا وَلَمْ تَجِدِ
الْفَالِقُ النُّورَ وَالظَّلْمَاءَ وَهْيَ عَلَى ... مَا تَقَاذَفَ بِالْأَمْوَاجِ وَالزَّبَدِ
إِذَا مَدَّهَا فَوْقَ الرِّيحِ مُنْشِئُهَا ... فَسَبَّحَتْ وَهْيَ فَوْقَ الْمَاءِ فِي مَيَدِ
وَشَدَّهَا بِالْجِبَالِ الصُّمِّ فَاضْطَأَدَتْ ... أَرْكَانُهَا بِشِدَادِ الصَّخْرِ وَالْجَلَدِ
بَرَا السَّمَوَاتِ سَقْفًا ثُمَّ أَنْشَأَهَا ... سَبْعًا طِبَاقًا بِلَا عَوْنٍ وَلَا عُمُدِ
تُقُلُّهُنَّ مَعَ الْأَرَضِينَ قُدْرَتُهُ ... وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَثْقُلْ وَلَمْ يَؤُدِ
وَبَثَّ فِيهَا صُنُوفًا مِنْ بَدَائِعِهِ ... مِنَ الْخَلَائِقِ مِنْ مَثْنًى وَمِنْ وَهَدِ
مِنْ كُلِّ جِنْسٍ بَرَا أَصْنَافَهُ وَذَرَا ... أَشْبَاحَهُ بَيْنَ مَكْسُورٍ وَمُنْجَرِدِ
فِيهَا الْمَلَائِكُ بِالتَّسْبِيحِ خَاضِعَةٌ ... لَا يَسْأَمُونَ لِطُولِ الدَّهْرِ وَالْأَمَدِ
فَمِنْهُمْ تَحْتَ سُوقِ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ ... كَالثَّوْرِ وَالنَّسْرِ وَالْإِنْسَانِ وَالْأَسَدِ
فَكُلُّ ذِي خِلْقَةٍ يَدْعُو لِمُشْبِهِهِ ... فِي الْخَلْقِ بِالْعِيشَةِ الْمُرْضِيَّةِ الرَّغَدِ
-[390]-
بَرَا السَّمَاءَ بُرُوجًا مِنْ كَوَاكِبِهَا ... تَجْرِينَ مِنْ فَلَكِ الْأَفْلَاكِ فِي كَبَدِ
مِنْهَا جِوَارٍ وَمِنْهَا رَاكِدٌ أَبَدًا ... وَالْقُطْبُ فِي مَرْكَزٍ مِنْهُنَّ كَالْوَتَدِ
وَالشُّهْبُ تُحْرِقُ فِيهَا يَبْنِينَ إِلَى ... قَذْفِ الشَّيَاطِينِ مِنْ جِنَّاتِهَا الْمُرُدِ
وَكُلُّ مُسْتَرِقٍ لِلسَّمْعِ يَتْبَعُهُ ... مِنْهَا شِهَابُ نُجُومٍ دَائِمُ الرَّصَدِ
وَيَرْفَعُ الْغَيْمَ إِعْصَارُهَا فَتَرَى ... فِيهَا الصَّوَاعِقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْبَرَدِ
عَلَى هَوَاءٍ رَقِيقٍ فِي لَطَافَتِهِ ... يُحْيِي بِهِ كُلَّ ذِي رُوحٍ وَذِي جَسَدِ
وَصَيَّرَ الْمَوْتَ فَوْقَ الْخَلْقِ لَا لَجَأٌ ... مِنْهُ وَلَا هَرَبٌ إِلَى سَنَدِ
فَالْمَوْتُ مَيِّتٌ وَكُلٌّ هَالِكُونَ خَلَا ... وَجْهَ الْإِلَهِ الْكَرِيمِ الدَّائِمِ الصَّمَدِ
أَفْنَى الْقُرُونَ وَأَفْنَى كُلَّ ذِي عُمُرِ ... كَعُمْرِ نُوحٍ وَلُقْمَانَ أَخِي لَبَدِ
يَا رَبِّ إِنَّكَ ذُو عَفْوٍ وَمَغْفِرَةٍ ... فَنَجِّنَا مِنْ عَذَابِ الْمَوْقِفِ النَّكِدِ
وَاجْعَلْ إِلَى جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَوْئِلَنَا ... مَعَ النَّبِيِّينَ وَالْأَبْرَارِ فِي الْخُلْدِ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزِّ مِنْ مَلِكٍ ... مَنِ اهْتَدَى بِهُدَى رَبِّ الْعَالَمِينَ هُدِي»

الصفحة 388