كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ، - فِي كِتَابِهِ - وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ الْمِصْرِيَّ أَبَا الْفَيْضِ، وَسَأَلْتُهُ قُلْتُ: مَتَى تَخْلُصُ لِلَّهِ صَلَاتِي؟ قَالَ: «§إِذَا سَكَّنْتَ مَعَادِنَ الْأَنْوَارِ مِنْ قَلْبِكَ، وَنَفَذْتَهُ فِي مَلَكُوتِ هَمِّكَ». قُلْتُ: مَتَى يَتِمُّ زُهْدِي بَعْدَ وَرَعِي؟ قَالَ: «إِذَا جَعَلْتَ الْفَرْضَ لَكَ مُعَلِّمًا، وَأَقَمْتَ الطَّاعَةَ لَكَ مُفَهِّمًا». قُلْتُ: فَمَتَى أَوْ مِنْ؟ قَالَ: «إِذَا اشْتَمَلَ الْفَرْضُ عَلَى أَمْرِكَ وَمَلَكْتَ الطَّاعَةَ عَلَى نَفْسِكَ» قُلْتُ: فَمَتَى أَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «الْيَقِينُ إِذَا تَمَّ سُمِّيَ تَوَكُّلًا» قُلْتُ: مَتَى يُتِمُّ حُبِّي لِرَبِّي؟ قَالَ: «إِذَا سَمَجَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِكَ، وَقَذَفْتَ أَمَلَكَ فِيهَا بَيْنَ يَدَيْكَ». قُلْتُ: فَمَتَى أَخَافُ رَبِّي؟ قَالَ: «إِذَا سَرَّحْتَ بَصَرَكَ فِي عَظَمَتِهِ، وَمَثَّلْتَ لِنَفْسِكَ أَمْثَالَ نِقْمَتِهِ». قُلْتُ: فَمَتَى يَتِمُّ صَوْمِي؟ قَالَ: «إِذَا جَوَّعْتَ نَفْسَكَ مِنَ الْبَغْضَاءِ، وَأَمَتَّ لِسَانَكَ مِنَ الْفَحْشَاءِ». قُلْتُ: فَمَتَى أَعْرِفُ رَبِّي؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ لَكَ جَلِيسًا، وَلَمْ تَرَ لِنَفْسِكَ سِوَاهُ أَنِيسًا»، قُلْتُ: فَمَتَى أُحِبُّ رَبِّي؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ مَا أَسْخَطَهُ عِنْدَكَ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ» قُلْتُ: فَمَتَى أَشْتَاقُ إِلَى رَبِّي؟ قَالَ: «إِذَا جَعَلْتَ الْآخِرَةَ لَكَ قَرَارًا وَلَمْ تُسَمِّ الدُّنْيَا لَكَ مَسْكَنًا وَدَارًا»، قُلْتُ: فَمَتَى يُشْتَدُّ فِي بُغْضِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: «إِذَا جَعَلْتَ الدُّنْيَا طَرِيقَ مَخَافَةٍ لَا تَتَلَفَّتْ إِلَى مَا قَطَعْتَ مِنْهَا، وَجَعَلْتَ الْآخِرَةَ سَاحَةً مَأْمُونَةً لَا تَأْمَنُ إِلَّا بِالنُّزُولِ فِيهَا». قُلْتُ: فَمَتَى أُحِبُّ لِقَاءَ رَبِّي؟ قَالَ: «إِذَا كُنْتَ تُقْدِمُ عَلَى حَبِيبٍ وَتَصِيرُ عَنْ أَمَرٍ قَرِيبٍ». قُلْتُ: فَمَتَى أَسْتَلِذُّ الْمَوْتَ؟ قَالَ: «إِذَا جَعَلْتَ الدُّنْيَا خَلْفَ ظَهْرِكَ وَجَعَلْتَ الْآخِرَةَ نُصْبَ عَيْنَيْكَ». قُلْتُ: فَمَتَى أَتَّقِي شَهَوَاتِ مَطَاعِمِ الْأَرْضِ؟ قَالَ: «إِذَا خَالَطَ قَلْبَكَ الْمَلَكُوتُ وَمُزِجَ فِي سَرَائِرِ الْجَبَرُوتِ»، قُلْتُ: فَمَتَى تَطِيبُ مَعْرِفَتِي، قَالَ: «إِذَا اسْتَوْحَشْتَ مِنَ الدُّنْيَا وَاشْتَدَّ فَرَحُكَ بِنُزُولِ الْبَلَاءِ». قُلْتُ: فَمَتَى أَسْتَقْبِحُ الدُّنْيَا؟ قَالَ: «إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ زِينَتَهَا فَسَادُ كُلِّ مَعْنًى، وَأَنَّ مَحَاسِنَهَا تُفْضِي إِلَى كُلِّ حَسْرَةٍ». قُلْتُ: فَمَتَى أَكْتَفِي بِأَهْوَنِ الْأَغْذِيَةِ؟ قَالَ: «إِذَا عَرَفْتَ هَلَاكَ الشَّهَوَاتِ وَسُرْعَةَ انْقِطَاعِ عُذُوبَةِ اللَّذَّاتِ». قُلْتُ: فَمَتَى قُنُوعُ التَّمَامِ؟ قَالَ: «إِذَا -[393]- كَانَ زُخْرُفُ الدُّنْيَا عِنْدَكَ صَغِيرًا، وَكَانَ خَوْفُ الْآخِرَةِ لَكَ ذِكْرًا». قُلْتُ: فَمَتَى أسْتَحِقُّ تَرْكَ الْجَمْعِ؟ قَالَ: «إِذَا عَرَفْتَ أَنَّكَ مَنْقُولٌ إِلَى مَعَادٍ، وَأَنَّكَ مَأْخُوذٌ بِتَبِعَاتِ الْعِبَادِ». قُلْتُ: فَمَتَى آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ شَفَقَتُكَ عَلَى غَيْرِكَ، وَخَالَفْتَ الْعِبَادَ لِمَحَبَّةِ رَبِّكَ». قُلْتُ: فَمَتَى أُوثِرُ اللَّهَ وَلَا أُوثِرُ عَلَيْهِ سِوَاهُ؟ قَالَ: «إِذَا أَبْغَضْتَ فِيهِ الْحَبِيبَ وَجَانَبْتَ فِيهِ الْقَرِيبَ». قُلْتُ: فَمَتَى أَفْزَعُ إِلَى ذِكْرِهِ وَآنَسُ بِشُكْرِهِ؟ قَالَ: «إِذَا سُرِرْتَ بِبَلَائِهِ، وَفَرِحْتَ بِنُزُولِ قَضَائِهِ»

الصفحة 392