كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: " §مَا اشْتَدَّ عَلِيَّ مَوْتُ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِثْلُ مَوْتِ ابْنِ أَبِي ذِيبٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَدْرَكَهُمَا حَتَّى تَأَسَّفَ عَلَيْهِمَا "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: صَاحِبُنَا أَعْلَمُ أَمْ صَاحِبُكُمْ. قُلْتُ: «تُرِيدُ الْمُكَابَرَةَ أَوِ الْإِنْصَافُ؟» قَالَ: بَلِ الْإِنْصَافُ قَالَ: قُلْتُ: «فَمَا الْحِجَّةُ عِنْدَكُمْ». قَالَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ. قَالَ: قُلْتُ: «أَنْشُدُكَ اللَّهَ، أَصْاحَبُنَا أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَمْ صَاحِبَكُمْ». قَالَ: إِذْ أَنْشَدْتَنِي بِاللَّهِ فَصَاحِبُكُمْ قُلْتُ: «فَصَاحِبُنَا أَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ صَاحِبَكُمْ؟» قَالَ: صَاحِبُكُمْ، قُلْتُ: «فَصَاحِبُنَا أَعْلَمُ بِأَقَاوِيلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ صَاحِبِكُمْ». قَالَ: فَقَالَ: صَاحِبُكُمْ، قَالَ: قُلْتُ: «فَبَقِيَ شَيْءٌ غَيْرُ الْقِيَاسِ» قَالَ: لَا. قُلْتُ: «§فَبِحَقٍّ نَدَّعِي الْقِيَاسَ أَكْثَرَ مِمَّا تَدَّعُونَهُ، وَإِنَّمَا يُقَاسُ عَلَى الْأُصُولِ فَيُعْرِفُ الْقِيَاسُ» قَالَ: وَيُرِيدُ بِصَاحِبِهِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: " أَقَمْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ثَلَاثَ سِنِينَ وَكَسْرًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، لَفْظًا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعمِائَةِ حَدِيثٍ قَالَ: وَكَانَ إِذَا حَدَّثَهُمْ عَنْ مَالِكٍ امْتَلَأَ مَنْزِلُهُ وَكَثُرَ النَّاسُ حَتَّى يضَيِّقَ عَلَيْهِمُ الْمَوْضِعُ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ غَيْرِ مَالِكٍ لَمْ يَجِئْهُ إِلَّا الْيَسِيرُ فَكَانَ يَقُولُ: §مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْوَأَ ثَنَاءً عَلَى أَصْحَابِكُمْ مِنْكُمْ؛ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ مَالِكٍ مَلَأْتُمْ عَلَيَّ الْمَوْضِعَ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ أَصْحَابِكُمْ، إِنَّمَا تَأْتُونَ مُتَكَارِهِينَ "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ، وَرَّاقَ الْحُمَيْدِيِّ، يَقُولُ -[75]-: سَمِعْتُ الْحُمَيْدِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: " §كُنْتُ أَطْلُبُ الشَّعْرَ وَأَنَا صَغِيرٌ، وَأَكْتُبُ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِمَكَّةَ أَوْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ مَكَّةَ إِذْ سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ بْنَ إِدْرِيسَ، عَلَيْكَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَرَجَعْتُ , فَكُنْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمُ وَأَكْتُبُهُ عَلَى الْخِرَقِ، وَأَطْرَحُهُ فِي الزِّيرِ، حَتَّى امْتَلَأَ، وَكُنْتُ يَتِيمًا، وَلَمْ يَكُنْ لِأُمِّي شَيْءٌ، فَوَلِيَ عَمٌّ لِي نَاحِيَةَ الْيَمَنِ عَلَى الْقَضَاءِ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مِنَ الْيَمَنِ، أَتَيْتُ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ الزَّنْجِيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ السَّلَامَ "، وَقَالَ أَحَدُهُمْ يَجِيئُنَا حَتَّى إِذَا ظَنَنَّا أَنَّهُ يُصْلِحُ أَفْسَدَ نَفْسَهُ، قَالَ: «فَسِرْتُ إِلَى سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ» وَقَالَ: قَدْ بَلَغَنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا كُنْتَ فِيهِ، وَمَا بَلَغَنِي إِلَّا خَيْرٌ، فَلَا تَعُدْ. قَالَ: " ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَرَأْتُ الْمُوَطَّأَ عَلَى مَالِكٍ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الْعِرَاقِ، فَصِرْتُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَكُنْتُ أُنَاظِرُ أَصْحَابَهُ " قَالَ: «فَشَكَوْنِي إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ» فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الْحِجَازِيَّ يَعِيبُ عَلَيْنَا قَوْلَنَا، وَيُخَطِّئُنَا. فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: " إِنَّا كُنَّا لَا نَعْرِفُ إِلَّا التَّقْلِيدَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْكُمْ سَمِعْنَاكُمْ تَقُولُونَ: لَا تُقَلِّدُوا، وَاطْلُبُوا الْحَقَّ وَالْحِجَاجَ "، فَقَالَ لِي: فَنَاظِرْنِي. فَقُلْتُ: «أُنَاظِرُ بَعْضَ أَصْحَابِكَ، وَأَنْتَ تَسْمَعُ»، فَقَالَ: لَا، إِلَّا أَنَا. قَالَ: فَقُلْتُ: «ذَلِكَ». قَالَ: فَتَسْأَلُ أَوْ أَسْأَلُ؟ قُلْتُ: «مَا شِئْتَ» قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ عَمُودًا فَبَنَى عَلَيْهِ قَصْرًا فَجَاءَهُ مُسْتَحِقٌّ فَاسْتَحَقَّهُ؟ قُلْتُ: «يُخَيَّرُ بَيْنَ الْعَمُودِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ، فَإِنِ اخْتَارَ الْعَمُودَ هَدَمَ الْقَصْرَ وَأَخْرَجَ الْعَمُودَ فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ». قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ خَشَبَةً فَبَنَى عَلَيْهَا سَفِينَةً، ثُمَّ لَجَجَ بِهَا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَاسْتَحَقَّهَا؟ قُلْتُ: «تُقْدَمُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَرْسَيَيْنِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ الْخَشَبَةِ، فَإِنْ أَخَذَ قِيمَتَهَا، وَإِلَّا نَقَضَ السَّفِينَةَ وَرَدَّ الْخَشَبَةَ إِلَى صَاحِبِهَا»، قَالَ: فَمَاذَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ خَيْطَ إِبْرَيْسَمٍ، فَخَاطَ بِهِ جُرْحَهُ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ فَاسْتَحَقَّهُ؟ قُلْتُ: «لَهُ قِيمَتُهُ»، فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: تَرَكْتَ قَوْلَكَ يَا حِجَازِيُّ، فَقُلْتُ لَهُ: «عَلَى رِسْلِكَ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْقَصْرِ أَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ قَصْرَهُ وَيَرُدَّ الْعَمُودَ إِلَى صَاحِبِهِ وَلَا يعْطِيَهُ قِيمَتَهُ، كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؟» فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: «أَرَأَيْتَ إِنْ -[76]- صَاحِبُ السَّفِينَةِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ السَّفِينَةَ وَيَرُدَّ الْخَشَبَةَ إِلَى صَاحِبِهَا، أَكَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَهُ؟» قَالَ: لَا قُلْتُ: «أَرَأَيْتَ إِنْ صَاحِبُ الْجُرْحِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ جُرْحَهُ، وَيُخْرِجَ الْخَيْطَ الَّذِي خَاطَ بِهِ الْجُرْحَ، وَيَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، أَكَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: «فَكَيْفَ تَقِيسُ مَا هُوَ مَحْظُورٌ بِمَا هُوَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ»

الصفحة 74