كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 9)

شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلّا فقد حموا، فو الله لأقاتلنّهم على أمري هذا، حتّى تنفرد سالفتي أو لينفذنّ الله أمره» [46] «1» .
فقال بديل: سنبلغهم ما تقول.
فانطلق حتّى أتى قريشا، فقال: إنّا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤوهم: لا حاجة لنا في أن تحدّثنا بشيء عنه، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا، وكذا. فحدّثهم بما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقام عروة بن مسعود الثقفي، فقال: أي قوم، ألستم بال الوالد؟ قالوا: بلى. قال:
ألست بالولد؟ قالوا: بلى.
قال: فهل تتّهموني؟ قالوا: لا. قال: أفلستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا ألحّوا عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا الرجل، قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته، قالوا: آتيه. فأتاه، فجعل يكلّم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النبي نحوا من مقالته لبديل، فقال عروة عند ذلك: يا محمّد، أرأيت إن استأصلت قومك، فهل سمعت بأحد من العرب استباح، - وقيل اجتاح- أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فو الله إنّي لأرى وجوها وأشوابا من الناس خلقا أن يفرّوا ويدعوك.
فقال أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه: امصص بظر اللات- واللات طاغية ثقيف التي كانوا يعبدون- أنحن نفرّ وندعه؟ فقال: من هذا؟ قالوا: أبو بكر. فقال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك، وجعل يكلّم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكلّما كلّمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله، ومعه السيف وعلى رأسه المغفر، فكلّما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلّى الله عليه وسلّم ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخّر يدك عن لحيته، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة. قال: أي غدّار، أو لست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة قد صحب قوما في الجاهلية، فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثمّ جاء فأسلم، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «امّا الإسلام فقد قبلنا، وأمّا المال، فإنّه مال غدر لا حاجة لنا فيه» [47] «2» . وإنّ عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله بعينه، فقال: والله لن يتنخم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم، فدلك بها وجهه، وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيما له.
فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكا يعظّمه أصحابه ما يعظّمه أصحاب محمّد محمّدا، والله
__________
(1) السنن الكبرى: 9/ 219 والمصنف: 5/ 333 بتفاوت، والمعجم الكبير: 20/ 11.
(2) سنن أبي داود: 1/ 629 تاريخ الطبري: 2/ 275.

الصفحة 57