كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 9)

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً أنّك نبي صادق فيما تخبر، ونصب شَهِيداً على التفسير وقيل: على الحال، والقطع، ثمّ قال:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ تمّ الكلام هاهنا، ثمّ قال مبتدئا: وَالَّذِينَ مَعَهُ (الواو) فيه (واو) الاستئناف وَالَّذِينَ في محل الرفع على الابتداء أَشِدَّاءُ غلاظ عَلَى الْكُفَّارِ لا تأخذهم فيهم رأفة. رُحَماءُ بَيْنَهُمْ متعاطفون متوادّون بعضهم على بعض كقوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ «1» .
تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ أن يدخلهم جنّته وَرِضْواناً أن يرضى عنهم. سِيماهُمْ علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ واختلف العلماء في هذه السيماء، فقال قوم: هو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة، يعرفون بتلك العلامة، أنّهم سجدوا في الدّنيا، وهي رواية العوفي، عن ابن عبّاس، وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس: استنارت وجوههم من كثرة ما صلّوا.
وقال شهر بن حوشب: تكون مواضع السجود من وجوههم، كالقمر ليلة البدر. قال آخرون: السمت الحسن، والخشوع، والتواضع، وهو رواية الوالبي عن ابن عبّاس، قال: أما إنّه ليس بالذي ترون، ولكنّه سيماء الإسلام وسجيّته، وسمته وخشوعه، وقال منصور: سألت مجاهدا عن قوله سبحانه وتعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ، أهو الأثر يكون بين عينيّ الرجل؟
قال: لا ربّما يكون بين عينيّ الرجل، مثل ركبة العنز، وهو أقسى قلبا من الحجارة، ولكنّه نور في وجوههم من الخشوع، وقال ابن جريج: هو الوقار، والبهاء، وقال سمرة بن عطية: هو البهج، والصفرة في الوجوه، وأثر السهرة. قال الحسن: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى، وما هم بمرضى، وقال الضحّاك: أمّا إنّه ليس بالندب في الوجوه، ولكنّه الصفرة.
وقال عكرمة، وسعيد بن جبير: هو أثر التراب على جباههم. قال أبو العالية: يسجدون على التراب لا على الأثواب، وقال سفيان الثوري: يصلّون بالليل، فإذا أصبحوا رؤي ذلك في وجوههم، بيانه
قوله: صلّى الله عليه وسلّم: «من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» [55] «2» .
قال الزهري: يكون ذلك يوم القيامة، وقال بعضهم: هو ندب السجود، وعلته في الجبهة من كثرة السجود.
__________
(1) سورة المائدة: 54.
(2) الجامع الصغير: 2/ 640 كنز العمال: 7/ 783.

الصفحة 65