كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 9)

والظنّ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث، وَلا تَجَسَّسُوا، ولا تحسّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» [72] «1» .
وأخبرني ابن منجويه، قال: حدّثنا ابن حبش، قال: أخبرنا علي بن زنجويه. قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن زرارة بن مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف، عن المسوّر بن مخرمة، عن عبد الرّحمن بن عوف، أنّه حرس ليلة عمر بن الخطّاب بالمدينة، فبينا هم يمشون شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمّونه، فلمّا دنوا منه، إذا باب يجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة، ولغط، فقال عمر، وأخذ بيد عبد الرّحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال: قلت: لا.
قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن بيثرب، فما ترى؟ قال عبد الرّحمن:
أرى أنّا قد أتينا ما قد نهى الله سبحانه، فقال: وَلا تَجَسَّسُوا فقد تجسسنا، فانصرف عمر عنهم، وتركهم.
وبه عن معمر، قال: أخبرني أيّوب، عن أبي قلابة أنّ عمر بن الخطّاب، حدّث أنّ أبا محجن الثقفي شرب الخمر في بيته هو وأصحابه، فانطلق عمر حتّى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلّا رجل، فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين إنّ هذا لا يحلّ لك، فقد نهاك الله عزّ وجلّ عن التجسّس، فقال عمر: ما يقول هذا؟ فقال زيد بن ثابت، وعبد الله بن الأرقم: صدق يا أمير المؤمنين، هذا التجسّس، قال: فخرج عمر رضي الله عنه، وتركه. وروى زيد بن أسلم أنّ عمر بن الخطّاب خرج ذات ليلة، ومعه عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنهما يعسّان إذ شبّ لهما نار، فأتيا الباب، فاستأذنا، ففتح الباب، فدخلا، فإذا رجل، وامرأة تغنّي، وعلى يد الرجل قدح، وقال عمر للرجل: وأنت بهذا يا فلان؟ فقال: وأنت بهذا يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: فمن هذه منك؟
قال: امرأتي. قال: وما في القدح؟ قال: ماء زلال. فقال للمرأة: وما الّذي تغنّين؟ فقالت:
أقول:
تطاول هذا الليل واسودّ جانبه ... وأرّقني ألّا حبيب ألاعبه «2»
فو الله لولا خشية الله والتقى ... لزعزع من هذا السرير جوانبه
ولكن عقلي والحياء يكفني ... وأكرم بعلي أن تنال مراكبه
ثمّ قال الرجل: ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين، قال الله: وَلا تَجَسَّسُوا فقال عمر:
صدقت، وانصرف. وأخبرنا الحسين، قال: حدّثنا موسى بن محمّد بن علي. قال: حدّثنا
__________
(1) مسند أحمد: 2/ 470 بتفاوت يسير. صحيح البخاري: 7/ 88.
(2) تفسير القرطبي: 16/ 334 ولسان العرب: 8/ 142، بتفاوت فيهما بالبيت الثاني.

الصفحة 83