كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 9)

-[المباحث العربية]-
(تجدون) الخطاب لسامعي الكلام من الصحابة، وغيرهم من غير الحاضرين مخاطبون بما خوطبوا به على طريق القياس، ويحتمل أن يكون خطابا لكل من يتأتى خطابه بذلك، في كل زمان ومكان.
(الناس معادن) أل في "الناس" وإن صلحت للجنس، لكن الأولى هنا أن تكون للعهد الذهني، والمقصودون الناس الذين جمعوا بين الجاهلية والإسلام، وفي الجملة تشبيه بليغ، حذف منه الوجه والأداة، أي أصول الناس وأحسابها كالمعادن في اختلافها من نفيس إلى خسيس، والمعادن جمع معدن، وهو الشيء المعروف المستقر في الأرض.
(فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام) هذا التفريع تشبيه آخر، حذف منه الوجه والأداة والمشبه به، لأن المعدن النفيس، في باطن الأرض نفيس، فإذا استخرج بقيت نفاسته وظهرت، وكذلك الأصول الشريفة في الجاهلية، هي رءوس بالنسبة إلى أهل الجاهلية، فإن أسلم الشريف استمر شرفه، وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية، فالذهب إذا استخرج وصنع سيفا، أشرف وأعظم قيمة من الحديد إذا استخرج وصنع سيفا.
(إذا فقهوا) بضم القاف، ويجوز كسرها، وفيه إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين، فالتفقه في الدين في جانب المشبه يعدل الصنعة في جانب المشبه به.
قال الحافظ ابن حجر: وعلى هذا فتنقسم الناس إلى أربعة أقسام، مع ما يقابلها:
الأول: شريف في الجاهلية أسلم وتفقه (فهو كالذهب استخرج، وصنع حلية جميلة) ويقابله على النقيض منه مشروف في الجاهلية، لم يسلم، ولم يتفقه (فهو كالحديد الذي لم يستخرج).
الثاني: شريف في الجاهلية، أسلم ولم يتفقه (فهو كالذهب استخرج، ولم يصنع) ويقابله على النقيض مشروف في الجاهلية، لم يسلم، وتفقه.
الثالث: شريف في الجاهلية لم يسلم، ولم يتفقه (فهو كالذهب لم يستخرج) ويقابله مشروف في الجاهلية، أسلم، ثم تفقه (فهو كالحديد، استخرج وصنع صنعة جميلة).
الرابع: شريف في الجاهلية، لم يسلم، وتفقه، ويقابله مشروف في الجاهلية، أسلم، ولم يتفقه (فهو كالحديد، استخرج، ولم يصنع).
قال: فأرفع الأقسام من شرف في الجاهلية، ثم أسلم وتفقه.
ويليه من كان مشروفا، ثم أسلم وتفقه.
ويليه من كان شريفا في الجاهلية، ثم أسلم، ولم يتفقه.

الصفحة 564