كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 9)

ويليه من كان مشروفا في الجاهلية، ثم أسلم، ولم يتفقه.
أما من لم يسلم فلا اعتبار به، سواء كان شريفا، أو مشرفا، وسواء تفقه، أو لم يتفقه.
قال: والمراد بالخيار، في قوله "خيارهم" وبقولنا "شريف" من كان متصفا بمحاسن الأخلاق، من جهة ملاءمة الطبع ومنافرته خصوصا بالانتساب إلى الآباء المتصفين بذلك، كالكرم والعفة والحلم والنجدة، متوقيا لمساويها كالبخل والفجور والظلم والخذلان وغيرها، ثم الشرف في الإسلام بالخصال المحمودة شرعا.
ولفظ "الخيار" جمع "خير" و"خير" تصلح صفة مطلقة، وتصلح أفعل تفضيل، تقول خير فيحتمل أن المعنى من كان فيه خير في الجاهلية ففيه خير في الإسلام، ويحتمل أن المعنى من اتصف بالأخيرية في الجاهلية، اتصف بها في الإسلام.
(وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه) وفي ملحق الرواية "تجدون من خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، حتى يقع فيه" وعند البخاري "وتجدون خير الناس" وتقدير "من" في روايته هنا ضرورية، لأن من اتصف بذلك لا يكون خير الناس على الإطلاق.
واختلف في المراد من الأمر أو الشأن، فقال الحافظ ابن حجر: المراد به الولاية والإمرة، لأن الدخول في عهدة الإمرة مكروه، من جهة تحمل المشقة فيه، وإنما تشتد الكراهة له ممن يتصف بالعقل والدين، لما فيه من صعوبة العمل بالعدل، وحمل الناس على رفع الظلم، ولما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم به من حقوقه وحقوق عباده، ولا يخفى خيرية من خاف مقام ربه.
ثم قال: وأما قوله "حتى يقع فيه" فاختلف في مفهومه، فقيل: معناه أن من لم يكن حريصا على الإمرة، غير راغب فيها، إذا حصلت له بغير سؤال، تزول عنه الكراهة فيها، لما يرى من إعانة الله له عليها، فيأمن على دينه مما كان يخاف عليه منها، قبل أن يقع فيها، ومن هنا أحب من أحب استمرار الولاية، من السلف الصالح، حتى قاتل عليها، وصرح بعض من عزل منهم بأنه لم تسره الولاية، بل ساءه العزل.
وقيل: المراد بقوله "حتى يقع فيه" أي فإذا وقع فيه لا يجوز له أن يكرهه، وقيل: معناه أن العادة جرت بذلك، وأن من حرص على الشيء، ورغب في طلبه قل أن يحصل له، ومن أعرض عن الشيء، وقلت رغبته فيه يحصل غالبا. اهـ.
وللقاضي عياض رأي آخر في المراد من الأمر والشأن، فيقول: يحتمل أن المراد به الإسلام، كما كان من عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وغيرهم من مسلمة الفتح، وغيرهم ممن كان يكره الإسلام، كراهية شديدة، فلما دخل فيه أخلص وأحبه، وجاهد فيه حق جهاده. اهـ. وما قاله الحافظ ابن حجر أولى بالقبول، وإن كان الترابط بين ما قاله القاضي عياض وبين صدر الحديث قويا، والمناسبة ظاهرة، لكن لا يقال: إن عمرا وعكرمة وسهيلا كانوا في الإسلام خيرا من أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.

الصفحة 565