كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 9)

يصلي، بدلالة ما بعده وفي الرواية الثانية "كان جريج رجلا عابدا، فاتخذ صومعة، فكان فيها" أي يتعبد ويصلي. وعند البخاري "كان في بني إسرائيل رجل، يقال له: جريج، كان يصلي .... ".
(فجاءت أمه تدعوه) أي تناديه لمصلحة لها أو له، تناديه لينزل إليها، أو يكلمها من أعلى.
(قال حميد: فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه حين دعته، كيف جعلت كفها فوق حاجبها، ثم رفعت رأسها إليه، تدعوه) كان من دقة الرواة وتوثيقهم لروايتهم أن ينقلوا الحركات مع الأقوال، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وصف أم جريج عند ندائها ابنها، بأنها وضعت كفها فوق حاجبها وعينيها، كي تظلها من الشمس، حين رفعت رأسها من أسفل إلى أعلى، وصف هذه الحالة بالفعل، لا بالقول، فوصف أبو هريرة هذه الحالة لتلميذه أبي رافع، حين تحديثه له بهذا الحديث بالفعل أيضا، فوصف أبو رافع هذه الحالة بالفعل أيضا حين حدث أبا حميد بهذا الحديث.
(فقالت: يا جريج، أنا أمك. كلمني، فصادفته يصلي، فقال: اللهم أمي وصلاتي، فاختار صلاته) واستمر فيها، فلم يجب أمه، وقوله: اللهم أمي وصلاتي. قول في نفسه على الأرجح، أي أيهما أقدم؟ . ويحتمل أنه تكلم بذلك، ولم يكن الكلام ممنوعا في صلاتهم، كما كان الحال في صدر الإسلام.
(فرجعت، ثم عادت) مرتين غير الأولى، وفي الرواية الثانية أن العودة كانت من الغد، لا في اليوم نفسه، ثم اليوم الذي بعد الغد، ثم إن الدعاء عليه كان في اليوم الثالث.
(اللهم. إن هذا جريج، وهو ابني، وإني كلمته فأبى أن يكلمني) ذكرت في هذه الرواية أسباب الدعاء عليه، وهي هنا ثلاثة. إنه موجود يسمعها ويعرفها، وأنه ابنها ولها عليه حقوق، وأنه لم يرد عليها نداءها، ولم تذكر هذه الحيثيات في الرواية الثانية.
(فلا تمته حتى تريه المومسات) بضم الميم الأولى وكسر الثانية، جمع مومسة، وتجمع على ميامس أيضا، وهي الزواني البغايا، المتجاهرات بذلك، وفي الرواية الثانية "لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات" وفي رواية للبخاري "حتى تريه وجوه المومسات" وفي رواية "حتى تريه المومسة" بالإفراد، وفي رواية فغضبت، فقالت: اللهم. لا يموتن جريج، حتى ينظر في وجوه المومسات" وفي رواية "أبيت أن تطلع إلى وجهي، لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة" والمراد من الرؤية والنظر الابتلاء والادعاء والمواجهة.
(قال: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن) أي لو دعت عليه أن يقع في المعصية لوقع فيها.
(وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره) ليستظل به، ويأنس إلى جواره.
(فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي) بجوار الصومعة، والمراد امرأة زانية معلنة، خرجت من القرية قاصدة فتنة جريج، وإغراءه، وإيقاعه، ففي الرواية الثانية "فتذاكر بنو إسرائيل جريجا، وعبادته" يمدحونه، ويثنون عليه "وكانت امرأة بغي، يتمثل بحسنها" "يتمثل" بضم الياء، وفتح التاء والميم وتشديد الثاء، أي يضرب المثل بها في الحسن والجمال، لانفرادها بذلك،

الصفحة 621