كتاب المبدع شرح المقنع - عالم الكتب (اسم الجزء: 9)

ومن لم يقتل ولا أخذ مالا نفي وشرد ولا يترك يأوي إلى بلد وعنه أن نفيه تعزيره بما يردعه ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل وأخذ بحقوق الآدميين من النفس والمال والجراح إلا أن يعفى لهم عنها
__________
"ومن لم يقتل ولا أخذ مالا نفي وشرد" أي طرد ولو عبدا "ولا يترك يأوي إلى بلد" ذكره الأصحاب ونصروه لقوله تعالى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] وظاهره يتناول نفيه من جميعها وهو يبطل بنفي الزاني إلى مكان فعلى هذا ينفون مدة تظهر فيها توبتهم وتحسن سيرتهم قدمه في الرعاية والفروع وقيل ينفون عاما كالزاني "وعنه أن نفيه تعزيره بما يردعه" من ضرب وحبس ونفي لأن الغرض الردع وهو حاصل بما ذكر وفي التبصرة بهما وعنه نفيهم حبسهم اختاره ابن أبي موسى حتى يحدثوا توبة وفي الواضح وغيره رواية أن نفيهم طلب الإمام لهم ليقيم فيهم حدود الله تعالى وروي عن ابن عباس فإن كانوا جماعة نفوا متفرقين
"ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل" بغير خلاف نعلمه وسنده قوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فعلى هذا يسقط عنهم جميع ما ذكر أطلق في المبهج في حق الله تعالى روايتين "وأخذ بحقوق الآدميين من النفس والمال والجرح إلا أن يعفى لهم عنها" لأنها حقوق عليهم لم يعف عنها فلم تسقط لغير المحارب لا يقال الآية عامة فما وجه التخصيص لأن الأدلة دالة على أن حق الآدمي لا يسقط إلا برضاه لأنه مبني على الضيق والشح بخلاف حق الله وذلك يقتضي عدم التسوية بينهما وعلم منه أنه إذا تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه شيء لأن الله تعالى شرط في المغفرة لهم كون توبتهم قبل القدرة فدل على عدمها بعدها ولأنه إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص وبعدها تقية من إقامة الحد ولأن في إسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبا في توبته والرجوع عن محاربته وبعد القدرة لا حاجة في ترغيبه لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة وهذا كله فيمن هو تحت حكمنا وفي

الصفحة 134