كتاب المبدع شرح المقنع - عالم الكتب (اسم الجزء: 9)
وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه فيه. ومن أتى حدا في الغزو لم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الإسلام, فيقام عليه.
__________
من له الحق فيه أساء ولا شيء عليه
فرع: ذكر جماعة أن من أتى حدا ثم لجأ إلى داره فهو كالحرم وحينئذ لا يخرج منها بل يضيق عليه حتى يخرج فيقام عليه.
"وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه" فيه بغير خلاف نعلمه روى الأثرم عن ابن عباس أنه قال "من أحدث حدثا في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه" ولقوله تعالى {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة: 191] فأباح قتلهم ثم قتالهم في الحرم ولأن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم ولو لم يشرع الحد فيه لتعطلت الحدود في حقهم وفاتت المصالح التي لابد منها.
تذنيب: إذا قوتلوا في الحرم دفعوا عن أنفسهم فقط لقوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قرئ بهما واستدلالهم بالخبر المشهور صححه ابن الجوزي في تفسيره وقاله الماوردي وذكر ابن الجوزي أن مجاهدا وغيره قالوا الآية محكمة وفي التمهيد أنها نسخت بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وفي الأحكام السلطانية يقاتل البغاة إذا لم يندفع بغيهم إلا به لأنه من حقوق الله وحفظها في حرمه أولى من إضاعتها وذكره الماوردي عن جمهور الفقهاء ونص عليه الشافعي وحمل الخبر على ما يعم إتلافه كالمنجنيق إذا أمكن إصلاح بدون ذلك وذكر أبو بكر بن العربي لو تغلب فيها كفار أو بغاة وجب قتالهم بالإجماع وذكر الشيخ تقي الدين إن تعدى أهل مكة على الركب دفع الركب كما يدفع الصائل وللإنسان أن يدفع مع الركب بل يجب إن احتيج إليه "ومن أتى حدا في الغزو" وفي المغني و الشرح أو ما يوجب قصاصا "لم يستوف منه في أرض العدو" لأنه ربما يحمله الغضب على أن يدخل والعياذ بالله في الكفر "حتى يرجع إلى دار الإسلام فيقام عليه" وقاله الأوزاعي وإسحاق.