كتاب المبدع شرح المقنع - عالم الكتب (اسم الجزء: 9)
ولا يحل شربه للذة ولا للتداوي ولا لعطش ولا لغيره إلا لدفع لقمة غص بها ومن شربه مختارا عالما أن كثيره يسكر
__________
الحشيشة لا تسكر لكن قوله كل مسكر خمر يقتضي أنه تسكر قال في الفتاوى المصرية الحشيشة المسكرة حرام وإنما توقف بعض الفقهاء في الحد لأنه ظن أنها تغطي العقل كالبنج والصحيح أنها تسكر وإنما كانت نجسة بخلاف البنج وجوزه الطبيب لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر يسكر بالاستحالة والبنج يغيب العقل ويسكر بغير الاستحالة كجوزة الطبيب.
"ولا يحل شربه للذة" لعموم "ما أسكر كثيره فقليله حرام" "ولا للتداوي" لما روى وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره له أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء فقال "إنه ليس بدواء ولكنه داء" رواه مسلم وقال ابن مسعود "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" رواه البخاري ورواه أحمد من حديث حسان بن مخارق عن أم سلمة مرفوعا وصححه ابن حبان ولأنه يحرم لعينه فلم يحل شربه للتداوي كلحم الخنزير "ولا لعطش" لأنه لا يذهبه ولا يزيله ولا يدفع محذوره فوجب بقاؤه على تحريمه عملا بالأدلة المقتضية لذلك مع سلامته من المعارض "ولا لغيره إلا لدفع لقمة غص بها" فيجوز تناوله إذا لم يجد غيره وخاف التلف لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ولأن حفظ النفس مطلوب بدليل أنه تباح الميتة ثم الاضطرار إليها وهو موجود هنا فوجب جوازه تحصيلا لحفظ النفس المطلوب حفظها ويقدم عليه بولا ويقدم عليهما ماء نجسا
"ومن شربه" وهو مكلف "مختارا عالما أن كثيره يسكر" وظاهره أنه إذا لم يعلم فلا حد عليه وهو قول عامتهم وكذا إذا ادعى الجهالة بإسكار غير الخمر أو تحريمه أو بوجود الحد به ومثله يجهله صدق ولم يحد وكذا إذا شربها مكرها لحله له وعنه لا تحل له اختارها أبو بكر.
وفي حده روايتان والظاهر: أنهما مبنيان على حله له وعدمه والصبر أفضل نص عليه وكذا كل ما جاز فعله للمكره ذكره القاضي وغيره