كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 9)

قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: ومن المنقولات ما لا يمكن إحضاره عند القاضي كالصبرة من الطعام والقطيع من الغنم، والقاضي فيه بالخيار إن شاء حضر ذلك الموضع لو تيسر له ذلك وإن كان لا يتهيأ له الحضور وكان مأذوناً بالاستخلاف يبعث خليفته إلى ذلك الموضع.
قال محمد رحمه الله: وهو نظير ما إذا كان القاضي يجلس في داره، ووقع الدعوى في حمل، ولا يسع باب داره، فإنه يخرج إلى باب داره، أو يأمر نائبه حتى يخرج ليسير إليه الشهود بحضرته.
وفي «القدوري» : إذا كان المنقول المدعى به شيئاً يتعذر نقلها كالرحى، فالحاكم بالخيار إن شاء حضرها، وإن شاء بعث أميناً، فإن وقع الدعوى في عين غائب لا يعرف مكانه بأن ادعى رجل على رجل أنه غصب منه ثوباً أو جارية لا يدري أنه قائم أو هالك، فإن بيّن الجنس والصفة والقيمة فدعواه مسموعة وبينته مقبولة، وإن لم يبين القيمة، أشار في عامة الكتب الى أنها مسموعة، فإنه ذكر في كتاب الرهن:
إذا ادعى رجل على رجل أنه رهن عنده ثوباً وهو ينكر، قال: يسمع دعواه. وقال في كتاب الغصب: رجل ادعى على غيره أنه غصب منه جارية، وأقام بينة على ما ادعى تسمع دعواه وتسمع بينته، بعض مشايخنا قالوا: إنما تسمع دعواه إذا ذكر القيمة، وهذا القائل يقول: تأويل ما ذكر في «الكتاب» هذا.

وكان الفقيه أبو بكر الأعمش رحمه الله يقول: تأويل ما ذكر في «الكتاب» أن الشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه بالغصب، فثبت غصبه الجارية بإقراره في حق الجنس والقضاء جميعاً، قال شمس الأئمة الحلواني وعامة المشايخ على أن هذه الدعوى صحيحة والبينة مقبولة، ولكن في حق الجنس وإطلاق محمد في الكتاب يدل عليه.
قال الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي البزودي: إذا كانت المسألة مختلفة ينبغي للقاضي أن يكلف المدعي بيان القيمة، فإذا كلفه ولم يبين يسمع دعواه، وهذا لأن الإنسان قد لا يعرف قيمة ماله، فلو كلفه بيان القيمة فيه فقد أضرّ به إذ يتعذر (174ب4) عليه الوصول إلى حقه، وإذا سقط بيان القيمة من المدعي سقط من الشهود من الطريق الأولى، وتمام المسألة مرت في كتاب الغصب، وإن وقع الدعوى في العقار، فلابد من ذكر البلدة التي فيها الدر المدعى به، ثم من ذكر المحلة، ثم من ذكر السكة، يبدأ بالأعم، وهو البلد ثم بالأخص.
وهذا فصل اختلف فيه أهل الشروط، قال بعضهم يبدأ بالأعم، وقال بعضهم بالأخص، وعند أهل العلم له الخيار إن شاء يبدأ بالأعم، وإن شاء بالأخص؛ لأن المقصود هو التعريف، والتعريف حاصل بالكل، ولابد من ذكر حدود الدار بعد هذا، قال جماعة من أهل الشروط: ينبغي أن يذكر في الحدود لزيق دار فلان؛ ولا يذكر دار فلان لأنه حينئذ يصير دار فلان يدعي به؛ لأن الحد يدخل في المحدود، وعندنا كلا اللفظين على السواء، أيهما ذكر فهو حسن؛ لأن المقصود تعريف الدار المدعى به

الصفحة 12