كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 9)
المال منه وأقام البينة عليه، فقد قيل: إنه لا تسمع بينته؛ لأن هذه دعوى الإقرار في طرف الاستحقاق؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، فيصير المقبوض مضموناً على القابض ديناً للدافع على ما عرف، ففي الحاصل هذا دعوى الدين لنفسه، وكان هذا دعوى الإقرار في طرف الاستحقاق من حيث المعنى والله أعلم.
الفصل الثالث: في دعوى الملك المطلق في الأعيان
هذا الفصل يشتمل على أنواع: الأول في دعوى الخارج مع ذي اليد، قال محمد رحمه الله في «الأصل» :
إذا ادعى رجل داراً في يدي رجل أو عقاراً آخراً ومنقولاً، وأقاما البينة قضي ببينة الخارج عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله، والجملة في ذلك أن البينات في الأصل وضعت للإثبات، فبطل الترجيح أولاً من حيث الإثبات، فما كان أكثر إثباتاً كانت أولى بالقبول، وبعد الاستواء في الإثبات يقع الترجيح بحكم اليد، إذا ثبت هذا فنقول: بينة الخارج في دعوى الملك المطلق أكثر إثباتاً من بينة ذي اليد؛ لأن الخارج يثبت زيادة استحقاق على ذي اليد لا يثبت ذو اليد مثل ذلك ببينته على الخارج؛ لأنه ثبت استحقاق الملك الثابت لذي اليد، بظاهر اليد وذو اليد لا يستحق ببينته مثل ذلك على الخارج، إذ ليس للخارج ملك ثابت بظاهر اليد حتى يستحق ذو اليد ذلك عليه ببينته.
وتحقيق هذا الكلام أن دعوى الملك المطلق وإن كان دعوى أولية الملك من حيث الحكم، حتى يستحق المدعي الأصل بالزوائد المتصلة والمنفصلة، ويرجع الباعة بعضهم على البعض كافة، نص على أولية الملك، إلا أنه يحتمل التملك من جهة صاحب اليد من حيث الحقيقة والنص، فإنه لم ينص على أولية الملك من حيث الحقيقة، فكل واحد من البينتين أثبت أولية الملك لصاحبها، فاستويا من هذا الوجه، إلا أن الخارج ببينته يستحق على ذي اليد الملك الثابت له بظاهر اليد، لأن الملك في العين ثابت لذي اليد بظاهر اليد، والخارج ببينته يستحق عليه ذلك؛ لأن دعواه تحتمل التملك من جهته، وذو اليد ببينته لا يستحق على الخارج مثل ذلك؛ فهو معنى قولنا بينة الخارج أكثر إثباتاً، بخلاف ما إذا وقع الدعوى في النتاج؛ لأن هناك استوت البينات في الإثبات؛ لأن كل بينة أثبتت أولية الملك لصاحبها، ولم تثبت استحقاقها على الآخر باعتبار التمليك من جهته؛ لأن كل بينة نصت على أولية الملك، حيث قالت نتجت عنده، ولدت عنده، وكذلك كل واحد من الخصمين نص على أولية الملك حيث قال نتجت عندي ولدت عندي، وهذا لا يحتمل التمليك من جهة صاحبه، فاستويا في الإثبات، فرجحنا بينة ذي اليد بحكم اليد؛ لأن يده دليل على زيادة صدقه في دعواه.
وبخلاف ما لو وقع الدعوى في تلقي الملك من جهة ثالثٍ؛ لأن هناك استوت البينات في الإثبات والاستحقاق؛ لأن كل بينة أثبتت الملك لبائعه والانتقال من بائعه إلى
الصفحة 22
544