كتاب منح الجليل شرح مختصر خليل (اسم الجزء: 9)

عَلَيْهِ عَكْسُ السَّفِينَتَيْنِ، إلَّا لِعَجْزٍ حَقِيقِيٍّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَسْرٍ، أَيْ الْمُتَصَادِمَانِ أَوْ الْمُتَجَاذِبَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْقَصْدِ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَمُهُ (عَكْسُ) تَصَادُمِ (السَّفِينَتَيْنِ) إذَا تَلِفَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا وَجَهِلَ قَصْدَ مَا فِيهِمَا وَعَدَمِهِ فَيُحْمَلُونَ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ، فَلَا يَضْمَنُونَ مَالًا وَلَا دِيَةً لِعُذْرِهِمْ بِغَلَبَةِ الْبَحْرِ وَالرِّيحِ. الْحَطّ أَيْ فَإِنَّهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ إذَا جُهِلَ أَمْرُهُمْ، فَإِنْ تَحَقَّقَ تَعَمُّدُهُمْ لِإِتْلَافِهِمْ فَهُمْ ضَامِنُونَ فِيهَا لَوْ أَنَّ سَفِينَةً صَدَمَتْ أُخْرَى فَكَسَرَتْهَا فَغَرِقَ أَهْلُهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رِيحٍ غَلَبَتْهُمْ أَوْ مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَسْتَطِيعُوا مَعَهُ حَبْسَهَا عَنْ الْأُخْرَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى صَرْفِهَا وَلَمْ يَصْرِفُوهَا ضَمِنُوا. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَقِيلَ الدِّيَاتُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ الدِّيَاتُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَوَاقِلِ إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ مُهْلِكٌ فَالدِّيَاتُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَهْلَ السَّفِينَةِ إذَا تَعَمَّدُوا إغْرَاقَ الْأُخْرَى فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا الدِّيَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ طَرْحِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ بِمَنْزِلَةِ الْمُثَقَّلِ. أَبُو الْحَسَنِ مَسْأَلَتَا السَّفِينَةِ وَالْفَرَسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الرِّيحِ فِي السَّفِينَةِ وَفِي الْفَرَسِ مِنْ غَيْرِ رَاكِبِهِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَبَبِ النَّوَاتِيَّةِ فِي السَّفِينَةِ وَالرَّاكِبِ فِي الْفَرَسِ فَلَا إشْكَالَ فِي ضَمَانِهِمْ، وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ حُمِلَ فِي السَّفِينَةِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرِّيحِ وَفِي الْفَرَسِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّاكِبِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ حُمِلَا عَلَيْهِ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا فَقَالَ (إلَّا لِعَجْزٍ حَقِيقِيٍّ) عَنْ صَرْفِ كُلِّ الْمُتَصَادِمِينَ فَرَسَهُ عَنْ الْآخَرِ فَلَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا لَا مَالًا وَلَا دِيَةً إذَا عُلِمَ أَنَّ جُمُوحَهُمَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الرَّاكِبِينَ، بَلْ مِمَّا مَرَّا بِهِ مَثَلًا. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا جَمَحَتْ فَرَسَاهُمَا بِهِمَا وَلَمْ يَقْدِرَا عَلَى صَرْفِهِمَا فَلَا يَضْمَنَانِ يُرَدُّ بِقَوْلِهَا إنْ جَمَحَتْ دَابَّةٌ بِرَاكِبِهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَعَطِبَ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَيَقُولُهَا إنْ كَانَ فِي الْفَرَسِ اغْتِرَامٌ فَحَمَلَ بِصَاحِبِهِ فَصَدَمَ فَرَاكِبُهُ ضَامِنٌ لِأَنَّ سَبَبَ جَمْحِهِ مِنْ رَاكِبِهِ وَفِعْلِهِ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَفَرَ مِنْ شَيْءٍ مَرَّ بِهِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ رَاكِبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ بِهِ غَيْرُهُ مَا جَمَحَ بِهِ فَذَلِكَ عَلَى الْفَاعِلِ وَالسَّفِينَةُ الرِّيحُ هِيَ الْغَالِبَةُ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.

الصفحة 31