كتاب منح الجليل شرح مختصر خليل (اسم الجزء: 9)

إلَّا فِي الْأَدَبِ، وَإِلَّا أَنْ يَعْظُمَ الْخَطَرُ فِي غَيْرِهَا: كَعَظْمِ الصَّدْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَانِي (إلَّا فِي) إيجَابِ (الْأَدَبِ) أَيْ التَّأْدِيبِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَيَثْبُتُ فِي الْعَمْدِ لَا فِي الْخَطَأِ.
أَشْهَبُ الْحَاجِبَانِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءٌ فِيهِمَا حُكُومَةٌ فِي جِرَاحَاتِهَا لَيْسَ فِي جُفُونِ الْعَيْنِ وَأَشْفَارِهَا إلَّا الِاجْتِهَادُ، وَفِي حَلْقِ الرَّأْسِ إذَا لَمْ يَنْبُتَا إلَّا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ، وَلَيْسَ فِي عَمْدِ ذَلِكَ قِصَاصٌ، وَكَذَلِكَ الْحَاجِبَانِ إذَا لَمْ يَنْبُتَا لَثَبَتَ فِيهِمَا الِاجْتِهَادُ، وَفِي كُلِّ عَمْدٍ الْقِصَاصُ مَعَ الْأَدَبِ. أَبُو الْحَسَنِ أَبُو عِمْرَانَ إنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَأَدَبُهُ دُونَ أَدَبِ مَنْ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الَّذِي اُقْتُصَّ مِنْهُ هَلْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ قَالَ نَعَمْ. ابْنُ رُشْدٍ قَدْ قِيلَ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ مَعَ الْقِصَاصِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَوَجْهُ إيجَابِ الْأَدَبِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ الْقِصَاصِ هُوَ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ إيجَابَ الْأَدَبِ مَعَ الْقِصَاصِ هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاسْتَظْهَرَهُ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ فِيهَا وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِحِ مَعَ الْقِصَاصِ الْأَدَبُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِجُرْأَتِهِ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ضَرْبُهُ وَلَا سَجْنُهُ وَإِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ اهـ.
(وَإِلَّا أَنْ يَعْظُمَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ، أَيْ يَكْثُرُ وَيَشْتَدُّ (الْخَطَرُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ خَوْفُ الْمَوْتِ عَلَى الْجَانِي بِسَبَبِ الْقِصَاصِ مِنْهُ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي بَعْدَ الْمُوضِحَةِ، وَمَثَّلَ لِمَا يَعْظُمُ فِيهِ الْخَطَرُ فَقَالَ (كَ) كَسْرِ (عَظْمِ الصَّدْرِ) وَالرَّقَبَةِ وَالظَّهْرِ وَالْفَخْذِ عَمْدًا عُدْوَانًا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا، وَفِيهَا حُكُومَةٌ فِي مَال الْجَانِي.
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لَا قِصَاصَ فِي الْمَخُوفِ كَالْفَخْذِ وَشِبْهِهِ وَكَسْرِ الضِّلَعِ، فَعَظْمِ الصَّدْرِ إنْ كَانَ مَخُوفًا كَالْفَخْذِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْيَدِ فَالْقَوَدُ. الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ لَا قَوَدَ فِي عِظَامِ الصَّدْرِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَقَالَ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا فِي عِظَامِ الْعَيْنِ، وَفِي الْقَوَدِ

الصفحة 47