كتاب منح الجليل شرح مختصر خليل (اسم الجزء: 9)

وَإِنْ ذَهَبَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ، فَإِنْ اُسْتُطِيعَ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْعَقْلُ: كَأَنْ شُلَّتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِهِ فَكَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَلَا يَصِحُّ إبْقَاءُ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَذْهَبْ هُوَ بَصَرُ الْجَانِي مَثَلًا، وَقَدْ يَكُونُ امْرَأَةً وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَكَرًا مَعَ أَنَّ الْجَانِيَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا الْحَالِ دِيَةُ بَصَرِ الرَّجُلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا دِيَةُ بَصَرِ الْمَرْأَةِ الَّذِي لَمْ يَذْهَبْ، وَكَذَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا، وَلَوْ قَالَ فَدِيَةُ مَا ذَهَبَ فِي مَالِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لَسَلِمَ مِنْ التَّكَلُّفِ قَالَهُ عج وَتَلَامِذَتُهُ.
الْبُنَانِيُّ فِي تَصْوِيبِهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ غُرْمَ دِيَةِ جَمِيعِ مَا ذَهَبَ، وَإِنْ حَصَلَ لِلْجَانِي بَعْضُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهَا إنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَ بِهَا سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ أُقِيدَ مِنْ الْمُوضِحَةِ بِعَمْدِ الْبُرْءِ، فَإِنْ بَرِئَ الْجَانِي وَلَمْ يَذْهَبْ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ بِذَلِكَ كَانَ فِي مَالِهِ دِيَتَانِ دِيَةُ سَمْعٍ وَدِيَةُ عَقْلٍ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَوَدٌ وَعَقْلٌ، وَمَنْ ضَرَبَ يَدَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ ضُرِبَ الضَّارِبُ كَمَا ضَرَبَ، فَإِنْ شُلَّتْ يَدُهُ وَإِلَّا فَعَقْلُهَا فِي مَالِهِ. أَشْهَبُ هَذَا إذَا كَانَتْ الضَّرْبَةُ بِجُرْحٍ فِيهِ الْقَوَدُ فَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِعَصًا فَشُلَّتْ يَدُهُ فَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَقْيِيدُ ابْنِ الْحَاجِبِ، أَمَّا الْمَعَانِي فَكَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، فَإِنْ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْهَا بِسِرَايَةِ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ كَمُوضِحَةٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِيهَا، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْهُ اسْتَوْفَى وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دِيَةُ مَا لَمْ يَذْهَبْ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَالِهِ

(وَإِنْ) ضَرَبَهُ بِعَصًا أَوْ لَطَمَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا فَ (ذَهَبَ) بَصَرُهُ (وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ) لَمْ تَنْخَسِفْ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَإِنْ اُسْتُطِيعَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ أَنْ يُفْعَلَ بِالْجَانِي فُعِلَ (كَذَلِكَ) أَيْ فِعْلُ الْجَانِي فِي إذْهَابِ بَصَرِهِ مَعَ قِيَامِ عَيْنِهِ فُعِلَ بِهِ، فَقَدْ رُفِعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَجُلٌ لَطَمَ رَجُلًا فَأَذْهَبَ بَصَرَهُ وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ فَحَكَمَ بِالْقِصَاصِ مِنْهُ فَأَعْيَا عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاسِ حَتَّى أَتَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأَمَرَ بِجَعْلِ كُرْسُفٍ عَلَى عَيْنِ الْمُصِيبِ وَاسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ بِهَا فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسْتَطَعْ فِعْلُ ذَلِكَ بِالْجَانِي (فَالْعَقْلُ) مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ.
وَشَبَّهَ فِي الْفِعْلِ الْمُذْهِبِ لِلْمَعْنَى إنْ أَمْكَنَ وَلُزُومُ الْعَقْلِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ فَقَالَ (كَأَنْ شُلَّتْ)

الصفحة 51