كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 9)

بِدَلِيلِ الْبَيْتِ الثَّالِثِ مِنْ قَوْلِهِ فِي شِعْرِهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فِي مَحَلِّ الثَّلَاثِ بِلَا تَزْوِيجٍ، أَوْ كِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ عَكَسَهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بَلْ أَطْلَقَ: فَاحْتِمَالَانِ أَظْهَرُهُمَا يُعْمَلُ بِالْيَقِينِ، وَالْوَرَعُ الْتِزَامُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ بِإِيقَاعِهِ يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَتَمَامُ الثَّلَاثِ، فَلَا يَزُولُ الشَّكُّ فِيهِمَا. انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي وَنَحْوُهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا " وَفَعَلَهُ، وَلَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ أَوْ التَّخْصِيصَ، عَمِلَ بِهِ، وَمَعَ فَقْدِ السَّبَبِ وَالنِّيَّةِ خَرَّجَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ تَارَةً فِي نَفْسِهِ وَتَارَةً فِي مَحَلِّهِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عُمُومَ الطَّلَاقِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَصْدَرِ لِأَفْرَادِهِ، وَعُمُومُ الزَّوْجَاتِ يُشْبِهُ عُمُومَ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولَاتِهِ، وَعُمُومُهُ لِأَفْرَادِهِ أَقْوَى مِنْ عُمُومِهِ لِمَفْعُولَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادِهِ بِذَاتِهِ عَقْلًا وَلَفْظًا، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَفْعُولَاتِهِ بِوَاسِطَةٍ، مِثَالُهُ: لَفْظُ " الْأَكْلِ " وَ " الشُّرْبِ " فَإِنَّهُ يَعُمُّ أَنْوَاعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ عُمُومِ الْمَأْكُولِ إذَا كَانَ عَامًا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عُمُومِهِ لِأَفْرَادِهِ وَأَنْوَاعِهِ عُمُومُهُ لِمَفْعُولَاتِهِ، ذَكَرَ مَضْمُونَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوَّى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِجَمِيعِ الزَّوْجَاتِ دُونَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِالزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ مُحَرَّمٌ بِخِلَافِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالزَّوْجَاتِ الْمُتَعَدِّدَاتِ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ قَالَ " إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ " وَقَعَ بِالْكُلِّ وَبِمَنْ بَقِيَ، وَإِنْ قَالَ " عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَأَفْعَلَنَّ " وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَرْأَةَ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَنَوَى الثَّلَاثَ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ الرِّوَايَتَيْنِ،

الصفحة 7