كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 9)

قال مالك بن عمارة: كنت ربما جالست عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب وعروة بن الزبير في ظل الكعبة أيام الموسم، فنخوض مرة في الفقه ومرة في المذاكرة ومرة في أخبار الناس وأشعار العرب، فكنت لا أجد عند أحد ما أجد عند عبد الملك، من اتساعه في المعرفة، وتصرفه في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدث، وحلاوته إذا حدث؛ قال: فتفرق أصحابنا ذات ليلة وبقيت أنا وهو، فقلت: والله إني بك لمسرور لما أرى من كثرة تصرفك، وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال لي: إنك إن تعش قليلاً فسوف ترى العيون إلي طامحة، والأعناق إلي قاصره، فإذا كان ذلك فلا عليك أن تعمل إلى فلا ملآن يديك فلما أفضت الخلافة إليه اتيته فكان أول ما وقعت عينه علي وهو على المنبر، كشر في وجهي وبسر، فقلت: لم يثبتني معرفة، أو عرفني فأظهر لي نكره، لكني لم أبرح من مكاني حتى قضى الصلاة ودخل المقصورة، فلم يلبث إلا ريثما دخل إذ خرج آذانه فقال: أين مالك بن عمارة قلت ها أنا ذا فأخذا بيدي فادخلني إليه فلما رأني مد يده إلي ثم قال: تراءيت في موضع لم يجز فيه إلا ما رأيت من الإعراض والانقباض، فأما الآن فحي هلا بك، كيف كنت بعدي وكيف كان مسيرك؟ قلت: خير، وعلى ما يحب أمير المؤمنين، فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟

الصفحة 124