كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 9)

سئل عمرو بن عبيد عن النبيذ فقال: إن الأشياء المألوفة والمعروفة والمأكولة والمشروبة وجميع الأغذية حلال حتى يجيء ما يحرمها، وليست بحرام حتى يجيء ما يحللها، وكانت الخمر حلالاً حتى جاء ما حرمها، فإن وجدنا في غيرها مثل ما وجدنا فيها فسبيله سبيلها، وإلا فالحرام حرام والحلال حلال؛ إن الله تعالى حرم الخمر لعلل معروفة وعللك مجهولة، فلذلك صار تحريمها تعبداً، وقد جدنا مسكرة في وقت هي فيه حلال ومسكرة في الوقت الذي يليه وهي فيه حرام، ولم يحسوا من طبائعهم تغيراً، ولو كانت العلة الإسكار وما يصنع السكر في الأموال وما يحدث من الشغل عن الصلاة والذكر لكان هذا موجوداً في طبعها وطبائع شاربيها قبل تجريمها، فدل ذلك على أنها حرمت لعلل مجهولة كما حرمت لعلل معلومة، ولا يقيس على المجهول إلا جاهل.
وقال: الحرام حرامان: حرام في حجة العقل وحرام في حجة السمع، فالذي في حجة العقل على ضربين: أحدهما حرام بعينه وفي عينه فقط، والآخر حرام لعلة مركبة فيه؛ فالحرام في عينه كالكذب والظلم وما لا يجوز أن ننتقل عنه أبداً، والحرام الآخر كذبح البهائم وذبح إبراهيم لإسحاق، لأن الذي حرمه على الإنسان عجزه عن تعويض المذبوح وأنه ليس له امتحان غيره بشيء يحدثه، ولا نعرف مقادير الامتحان ومصالحه، فلما أمر به مالك التعويض والذي له أن يمتحن ويعرف ظاهر المصلحة وباطنها حسن ذلك وجاز.

الصفحة 128