كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 9)

الصحة، والفاعل هو الطبيب المعالج، والغرض الذي بسببه يفعل الطبيب إنما هو بقاء جسم المعالج المدة التي تتهيأ له أن يبقاها، والشيء الذي يتخذه الطبيب آلة في المعالجة وإفادة الصحة هو كالفصد وسقي الأدوية. فإذا نقل هذا المثال إلى صناعة السياسة قلنا: إن المادة فيها أمور الرعية التي يتولى الملك القيام بها، والصورة فيها إنما هي المصلحة التي ينجو نحوها وهي نظير الصحة، لأن المصلحة هي صحة ما، والصحة مصلحة ما، وكذلك المفسدة سقم ما، والسقم مفسدة، والفاعل هو عناية الملك بما يباشره من أمور الرعية، وغرضه فيما يفعله هو بقاء المصلحة ودوامها، والشيء الذي يقوم له مقام الآلة في صناعته إنما هو الترغيب والترهيب: وفعل السائس الذي نظير المعالجة من الطبيب ينقسم بكليته إلى قسمين: أحدهما التعهد والآخر والاستصلاح؛ أما التعهد فحفظ المستقيم وأمور الرعية على استقامة وانتظام من الهدوء والسكون حتى لا يزول عن الصورة الفاضلة؛ وأما الاستصلاح فرد ما عارضه منها الفساد والاختلال إلى الصلاح والالتئام. ونظير هذا التعهد والاستصلاح في صناعة السياسة من صناعة الطب - التي هي سياسة الأجساد - حفظ الصحة وإعادة الصحة، وكما أن الطب كله مدرج في هذين البابين، كذلك السياسة كلها مدرجة في نظيريهما، يعني التعهد والاستصلاح.
وصف أعرابي نفسه بالحفظ فقال: كنت كالرملة لا يقطر عليها شيء إلا شربته.

الصفحة 147