كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 9)

من من أبغض الناس، كذلك خير الناس من نفع الناس، ولا نفع مع السباب والتباغي، وأرفع الناس نية أقدرهم على استصلاح البرية، ومن عجز عن تقويم نفسه الخاصة فهو عن تقويم غيره أعجز، والتسرع إلى تكذيب الأقول آفة من آفات النفس، والطمأنينة بها قبل الاختبار مضادة لطريق الحزم، والإصرار على التوقف مذلة لسلطان العقل، ومن لم يخلص لسانه لضميره لم يخلص ضمير غيره له، ومن صبر على استبراء حقائق الأحوال فقد أيد نفسه بالسلامة من الضلال، ومن خفي موقع الطلبة قبله لم ينفعه قرب المطلوب منه، ومن اهتم لغير ما خلق له فقد بدل جوهره بجوهر سواه، وكما أن نور الحق أشرق وأجلى، فهو للعقول الرمدة أضر وأعشى، والمفلوج شخصه لا تستقيم حركاته، وهيهات من نيل السعادة مع الهوينا والبطالة.
يقال: ثلاثة أشياء تستجيب من الصغير وتكره من الكبير: البخل والجبن والحسد، يدل الحسد من الصغير على همة وهو قبيح من الكبير، والبخل يدل منه على حزم لأنه فيه حفظ وهو عيب من فوقه والجبن يدل على عقل لأن فيه حراسة نفسه.
قيل لبزر جمهر: ما بال تعظيمك لمؤدبك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال: لأن أبي كان سبب حياتي الفانية، ومؤبي سبب حياتي الباقية.

الصفحة 149