كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 9)

قد ضربت من أمثال العامة أشياء تتصل بأغراض صحيحة على سوء التأليف، وخبث اللفظ، وفيها فوائد عجيبة، فاعرف الخبيث والطيب، واختر أنفعهما لك في موضعه وأجدهما عليك عند استعماله، فلم ينبث هذا كله هذا في العالم إلا ليعرف ويميز، وليكون بعضه باعثاً على بعض وناهياً عن بعض، وباختلاف الأشياء تختلف الظنون وتنقسم الآفكار في طلب الحق وترخي الصواب وليس الحق شخصاً في محل يطوي إليه. فلا تصرف وجهك عن اللفظة السخيفة والكلمة الضعيفة، فإن المعنى الذي فيهما فوق كراهتك، وليس العالم تابعاً رايك ومحمولاً على استحسانك واستقباحك، بل يجل عن مقاحم فكرك، ويعلو على غايات فهمك، فإنك ترى لنفسك محلاً ليست به فتقول هذا حسن وهذا قبيح، دون أن تقف على حقائق ذلك الحسن والقبح بعقل ما شانه الهوى، ولا تحيفه الإلف ولا ضيعته العادة، ولا أفسده أقران السوء، ولا مني بالتخليط الرديء والمرة المسرفة، ومن لك بالكمال؟ بل من لك ببعض هذه الأحوال؟ هيهات! وأنت متردد بين غالب عليك، وقادح فيك، وآخذ منك، وهابط بك، إلا أن يأخذ الله بيدك، ويصرف كيد السوء عنك، ويحبس فعال الشيطان دونك، ويكون لك قائماً بالصنع، هادياً إلى النجاة.

الصفحة 58