كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 9)

العيال، وشدة الزمان، وجفوة السلطان، وقلة المواساة، فرق له وكتب إليه: فإني أوصيك بتقوى الله تعالى يا سوار، الذي جعل التقوى عوضاً من كل فائدة من الدنيا، ولم يجعل شيئاً من الدنيا عوضاً من التقوى، فإن الدنيا عقدة كل عاقل، بها يستنير وإليها يستروح، ولم يظفر أحد في عاجل الدنيا وآجل الآخرة بمثل ما ظفر به أولياء الله الذين شربوا بكأس حبه، وكانت قرة أعينهم في ذلك، لأنهم أعملوا أنفسهم في حريم الأدب، وراضوها رياضة الأصحاء الصادقين، وظلفوها عن الشهوات، وألزموها القوت المعلق، وجعلوا الجوع والعطش شعاراً لها، حتى انقادت وأذعنت لهم عن فضول الشهوات، فلما ظعن حب فضول الدنيا عن قلوبهم، وزايلته أهواؤهم، وكانت الآخرة نصب أعينهم، ومنتهى أملهم، ورث الله تعالى قلوبهم الحكمة، وقلدت قلائد العصمة، وجعلت نوراً للعالم الذي يلمون منه الشعث ويشبعون الصدع، فما لبثوا إلا يسيراً حتى جاءهم من الله موعود صادق اختص العالمين به والعاملين له، فإذا سرك أن تسمع صفة الأبرار الأتقياء فصفة هؤلاء فاستمع، وشمائلهم فاتبع، وإياك يا سوار وبنيات الطريق.
قال الأصمعي: لزياد الأعجم في قتيبة بن مسلم:

الصفحة 73