كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

وقال بعضهم: أراد غفران ما وقع وما لم يقع، أي أنك مغفور لك.
وقيل: المراد ما كان عن سهو وغفلة وتأويل، حكاه الطبري واختاره القشيري.
وقيل: ما تقدم لأبيك آدم عليه السلام، وما تأخر من ذنوب أمتك، حكاه السمرقندي والسلمي عن ابن عطاه.
__________
"وقال بعضهم: أراد غفران ما وقع" قبل النبوة مما لا يؤاخذ به، لأنه لا شرع يلتزم أحكامه، ولا يصح أن المراد من الصغائر عند مجوزها، لأن السياق في دفع شبهة من جعل هذه الاآية دليلًا على وقوع الصغائر، "وما لم يقع" بفرض وقوعه، "أي: إنك مغفور لك" في الحالين، فغاير كلام ابن عباس، لأنه فرض وتقدير لا غير، وهذا على تجويز الوقوع، لكن إن وقع مغفورًا فهو كغيره من الأنبياء، إن وقع منهم لم يؤاخذوا به قطعًا بخلاف الأمة فتحت المشيئة.
"وقيل: المراد" بما تقدم "ما كان" وقع منه "عن سهو وغفلة"، و"المراد بما تأخر، ما صدر عن "تأويل"، أي: بيان لمعنى يحتمله النص فيحمله عليه باجتهاده، ثم تبين له أن الصواب أو الأولى خلافه، لأن التأويل بيان ما يؤل إليه فيناسب ما تأخر، كما في شرح الشفاء، فلا حاجة لجعل الواو بمعنى، أو "حكاه الطبري" محمد بن جرير، "واختاره القشيري" عبد الكريم بن هوازن، ولعل المراد بغفران الثلاثة مع أن آحاد الأمة لا يؤاخذ بها عدم المؤاخذة باللوم على سبب الغفلة والسهو والنسبة إلى التقصير، بسبب التأويل المبني على شبهة لو فرض وقوعها بخلاف غيره، فمؤاخذ بذلك.
"وقيل: ما تقدم لأبيك آدم عليه السلام، وما تأخر من ذنوب أمتك"، فاللام للتعليل، أي: غفر لآدم لألك لما توسل بك، ولكونك في صلبه، ولأمتك لدعائك، ولأنك رحمة لهم، "حكه السمرقندي والسلمي" "بضم ففتح" "عن" أحمد "بن عطاء" الأدمي، وحكاه الثعلبي عن عطاء الخراساني.
قال السيوطي: وهو ضعيف، أما أولًا فلأن آدم نبي معصوم لا ينسب إليه ذنب البتة، فهو تأويل يحتاج إلى تأويل، انتهى.
وتأويله، بأن المراد بتقدير أنه ذنب، أو سماه ذنبًا مجازًا وإن كان في الحقيقة ليس بذنب من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، قال: وأما ثانيًا: فلأن نسبة ذنب الغير إلى غير من صدر منه بكاف الخطاب لا يليق، وأما ثالثًان فلأن ذنوب الأمة كلها لم تغفر بل منهم من يغفر له، ومنهم من لا يغفر له، انتهى.

الصفحة 18