كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

ولكنه أريد أن يستوعب في الآية جميع انواع النعم -من الله على عباده- الأخروية، وجميع النعم الأخروية شيآن: سلبية وهي غفران الذنوب، وثبوتية وهي لا تتناهى، أشار إليها بقوله: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح: 2] ، وجميع النعم الدنيوية شيآن: دينية أشار إليها بقوله: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 2] ، ودنيوية وهي قوله: {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 3] ، فانتظم بذلك تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام أنواع نعم الله تعالى عليه المتفرقة في غيره، ولهذا جعل ذلك غاية للفتح المبين الذي عظمه وفخمه
__________
الأخروية" صفة النعم "وجميع النعم الأخروية" إظهار في مقام الإضمار ليتبين غاية البيان، "شيآن سلبية، وهي غفران الذنوب"، أي: من حيث هي، وإن لم يكن للمخاطب ذنب، لأنه لو لم يذكر غفرانها لكان فيه ترك استيعاب جميع أنواع النعم، "وثبوتية، وهي لا تتناهى، أشار إليها" إلى الثبوتية، بقوله: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيكَ} ، وجميع النعم الدنيوية شيآن: دينية أشار إليها بقوله: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا} طريقًا {ُسْتَقِيمًا} [الفتح: 2] يثبتك عليه، وهو دين الإسلام "ودنيوية" وإن كانت هناك المقصود بها الدين.
هذا أسقطه من السبكي قبل قوله: وهي قوله: {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 3] ، الآية، لا ذل معه، وقدم الأخروية على الدنيوية وقدم في الدنيوية الدينية على غيرها تقديمًا للأهم فالأهم، هكذا في تفسير السبكي قبل قوله: "فانتظم بذلك تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام أنواع نعم الله تعالى عليه، المتفرقة في غيره"، ثم يحتمل رجوع جوابه بآخرة الأمر إلى قول ابن عباس: أن لو كان ضرورة الخطاب والإضافة في الآية، والأظهر أن مراد السبكي أن المعنى منعك من الذنب فلا تواقعه، إذ الغفر الستر والغطاء، وعلىهذا فلا حاجة إلى تقدير أن لو كان.
وقد قال العلامة البرماوي في شرح البخاري: المعنى والله أعلم، أي: حال بينك وبين الذنوب فلا تأتيها، لان الغفر الستر، وهو إما بين العبد والذنب، وإما بين الذنب وبين عقوبته، فاللائق بالأنبياء الأول، وبأممهم الثاني: انتهى.
ونحوه قول بعض المحققين: المغفرة هنا كناية عن العصمة، فمعنى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخرن ليعصمك فيما تقدم من عمرك وفيما أخر منه.
قال السيوطي: وهذا القول في غاية الحسن، وقد عد البلغاء من أساليب البلاغة في القرآ، أنه يكنى عن التخفيفات بلفظ المغفرة والعفو والتوبة، كقوله تعالى عند نسخ قيام الليل: "علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر منه" وعند نسخ تقديم الصدقة بين يدي النجوى {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [المجادلة: 13] ، وعند نسخ تحريم الجماع ليلة الصيام

الصفحة 20