كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

[الأحزاب: 1] .
فلا مرية أنه صلى الله عليه وسلم أتقى الخلق، والأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به، إذ لا يصلح أن يقال للجالس اجلس، ولا للساكت اسكت، ولا يجوز عليه أن لا يبلغ، ولا أن يخالف أمر ربه، ولا أن يشرك ولا أن يطيع الكافرين والمنافقين، حاشاه الله من ذلك، وإنما امره الله بتقوى توجب استدامة الحضور.
وأجاب بعضهم عن هذا أيضًا بأنه صلى الله عليه وسلم كان يزداد علمه بالله تعالى، ومرتبته، حتى كن حال عليه الصلاة والسلام فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه ترك للأفضل، فكان له في كل ساعة تقوى تتجدد.
__________
روى جرير عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة، دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرجع عن قوله، على أن يعطوه شطر أموالهم، وخوفه المنافقون واليهود، وإن لم يرجع قتلوه، فأنز الله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} "فلا مرية": لا شك في صرفها عن ظاهرها، وذلك "انه صلى الله عليه وسلم اتقى الخلق" بالنصوص القطعية والإجماع، "والأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به، إذ لا يصلح أن يقال للجالس إجلس، ولا للساكت اسكت"، فأمره بالتقوى، أمر بتحصيل الحاصل، وهو محال، "ولا يجوز عليه أن يبلغ" ما أوحى إليه، "ولا أن يخالف أمر ربه، ولا أن يشرك، ولا أن يطيع الكافرين والمنافقين"، لا عقلًا ولا نقلًا، "حاشاه الله من ذلك"، وهذا كله تصوير للإشكال، "و" الجواب أنه "إنما أمره الله بتقوى توجب استدامة الحضور" في مقام المشاهدة والقرب اللائق بكماله فأمره باستدامة ذلك أمر بما لم يكن حاصلًا، وأجاب عياض بأنه ليس في الآية أنه أطاعهم، والله سبحانه ينهاه عما شاء، ويأمره بما شاء، كما قال تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الأنعام: 52] وما كان طردهم وما كان من الظالمين، أنتهى.
وهو منع للإشكال من أصله، وأن ابتناءه إنما هو على عرف أمر الخلق وخطابهم، والله تعالى ليس كذلك، فله أن ينهى من لم يقع منه خلافه، ويأمر بما لم يتصور من المأمور خلافه، وهذا جواب حسن، ويأتي في المتن بمعناه.
"وأجاب بعضهم عن هذا" الإشكال "أيضًا بأنه صلى الله عليه وسلم كان يزداد علمه بالله تعالى ومرتبته" منزلته العلية، "حتى كان" بالتشديد "حاله عليه الصلاة والسلام فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه" الآن مما تجدد "ترك للأفضل" خبر كان، "فكان له في كل ساعة تقوى

الصفحة 23