كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

الكفار، فإن هذه اسورة من أوائل ما نزل فقال: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} والمراد رؤساء الكفار من أهل مكة، وذلك أنهم دعوه إلى دينهم، فنهاه الله أن يطيعهم، هذا من الله تهييج للتشديد في مخالفتهم.
وأما قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] ، الآية.
فاعلم أن المفسرين اختلفوا فيمن المخاطب بهذا: فقال قوم المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: المخاطب به غيره.
فأما من قال بالأول فاختلفوا على وجوه.
الأول: أن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر والمراد به غيره، كقوله تعالى:
__________
التشديد مع قومه" المكذبين بالدين، "وقوي قلبه بذلك مع قلة العدد" الذين معه من المسلمين "وكثرة الكفار، فإن هذه السورة من أوائل ما نزل، فقال: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} الآية، فنهاه وإن كان لم يقع منه طاعة لهم، تقوية لقلبه ليذهب عنه خوفهم المضعف للقلب، فيظهر دين الله بلا خوف.
"والمراد: رؤساء الكفار من أهل مكة، وذلك أنهم دعوه إلى دينهم" على أن يميلوا إلى دينه، فلم يفعل "فنهاه الله أن يطيعهم، وهذا من الله تهييج للتشديد في مخالفتهم" لأن النهي عما لم يقع يقوي تصويبه والمداومة على عدمه.
وأما قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} من القصص فرضًا، {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ} التوراة {مِنْ قَبْلِكَ} فإنه ثبات عندهم، يخبرك بصدقه، "الآية" إشارة إلى أن الشبهة في تمامها أيضًا وهو: {لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [يونس: 94، 95] ، "فاعلم أن المفسيرن اختلفوا فيمن المخاطب بهذا، فقال قوم: المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم" ولا ضير فيه، لأنه شرط لم يقع نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، أو على سبيل الفرض، وهذا أحسن.
وقال آخرون: المخاطب به غيره، فأما من قال بالأول، فاختلفوا على وجوه: الأول أن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر، والمراد به غيره".
قال بكر بن العلاء: ألا تراه يقول: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ} ، وهو كان المكذب بلفظ اسم المفعول كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} فطلقوهن

الصفحة 25