كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] ، وكقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ، وكقوله لعيسى ابن مريم: {قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116] ومثل هذا معتاد، فإن السلطان إذا كان له أمير، وكان تحت راية ذلك الأمير جمع، فأراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص فإنه لا يوجه خطابه إليهم، بل يوجهه إلى ذلك الأمير ليكون ذلك أقوى تأثيرًا في
__________
لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ، الآية، فإن المخاطب بذلك هو، والمراد غيره، لأنه إذا طلق إنما يطلقهن لعدتهن.
وقول البيضاوي: خص النداء وعم الخطاب بالحكم، لأنه إمام أمته، فنداؤه كندائهم، أو لأن الكلام معه والحكم يعمهم، والمعنى: إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له منزلة علم وكيف، وفيه {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} فيكون في حقه من تحصيل الحاصل.
ورد شيخنا كلام المصنف لظاهر البيضاوي بأن المراد غيره بخصوصه، فيصدق بما إذا كان المراد هو وغيره، لأنه مع غيره، وغيره بخصوصه لا يليق لما علم، وكقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ، أي: يفسد ويسقط عن الاعتبار، ويبطل من حبطت الدابة إذا أفرطت في المرعى حتى ماتت وانتفخت، وجعل هذه الآية مشبهًا بها، لأنها أظهر في التعليق بالمحال، لأن الخطاب فيها للرسل كلهم، إذ أولها {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} ، وأفرد، لأن المراد كل واحد منهم وهم مبرؤن عن الشرك فالمراد أممهم ممن يجوز عليه الشرك تعريضًا وتهييجًا لحميتهم حتى ينتهوا عنه، وكقول لعيسى ابن مريم: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116] ، صفة لإلهين أو صلة اتخذوني، ومعنى دون المغايرة تنبيهًا على أن عبادة الله مع عبادة غيره كلا عبادة، فمنعبده مع عبادتهما، كأنما عبدهما ولم يعبده، أو القصور، فإنهم لم يعتقدوا استحقاقهما للاستقلال بالعبادة، وغنما زعموا أنها توصل إلى عبادة الله، وكأنه قيل: اتخذوني وأمي إلهين متوصلين بنا إلى عبادة الله، قاله البيضاوي، ففي التنظير بهذه الآية شيء، فإنه لم يخاطب عيسى مريدًا غيره، بل توبيخ الكفرة لا خطابهم خصوصًا، وذلك يوم القيامة، "ومثل هذا معتاد" واقع كثيرًا في القرآن، وكلام العرب، وهو باب واسع يسمونه التعريض والتلويح.
وله نكات ومقاصد جليلة، كحمله على الإذعان والقبول وإطفاء نار الغضب والحمية، "فإن السلطان إذا كان له أمير، وكانت تحت راية ذلك الأمير جمع، فأراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص" بها دون الأمير، "فإنه لا يوجه خطابه إليهم، بل يوجهه إلى ذلك الأمير، ليكون

الصفحة 26