كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

قلوبهم.
الثاني: قال القراء: علم الله تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم غير شاك، ولكن هذا كما يقول الرجل لولد: إن كنت ابني فبرني، ولعبده: إن كنت عبدي فأطعني.
الثالث: أن يقال لضيق الصدر شاك، يقول: إن ضقت ذرعًا بما تعاني من تعنتهم وأداهم فاصبر واسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم، وكيف كان عاقبة أمرهم من النصر، فالمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة، وأن القرآن مصدق لما فيه، أو تهييج الرسول عليه الصلاة والسلام وزيادة تثبيته، أو يكون على سبيل الفرض والتقدير، لا إمكان
__________
ذلك أقوى تأثيرًا في قلوبهم" فيبادروا بفعل الأمر، "الثاني: قال القراء" لقب ليحيى بن زياد الكوفي، نزيل بغداد، النحوي المشهور، المتوفى سنة سبع ومائتين، لأنه كان يفري الكلام فريًا، "علم الله تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم غير شاكٍ".
قال عياض: احذر ثبت الله قلبك أن يخطر ببالك ما ذكره بعض المفسرين عن ابن عباس أو غيره من إثبات شك له فيما أوحي إليه، وأنه من البشر، فمثل هذا لا يجوز حمله عليه، بل قد قال ابن عباس وغيره: لم يشك صلى الله عليه وسلم ولم يسأل، ونحوه.
عن ابن جبير والحسن، وحكى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أشك ولا أسأل، وعامة المفسرين على هذا، "ولكن هذا كما يقول الرجل لولده، إن كنت ابني فبرني، ولعبده: إن كنت عبدي فأطعني" في التنظير بهذا نظر، فإنما يقول الرجل ذلك لولده وعبده إذا استشعر منهما نوع تقصير في حقه، والنبي صلى الله عليه وسلم لا تقصير عنده في حق الله تعالى، تى يخاطبه بما يوهم لو ما حاشاه من ذلك. وقد يجاب بأن التنظير به من حيث أنه يخاطب به مع عمله أنه لا شك عنده من غير ملاحظة لوم على تقصير، وإن كان هو عليه السلام ينسب التقصير لنفسه، بنحو قوله: لا أحصي ثناء عليك أنت، كما أثنيت على نفسك.
"الثالث: أن يقال لضيق صدرك شاك" فالمعنى أنه "يقول إن ضقت ذرعًا" صدرًا "بما تعاني" تقاسي "من تعنتهم وأداهم، فاصبر واسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم" وقد قال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] ، "وكيفل كان عاقبة أمرهم من النصر" على الكافرين، "فالمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة، وأن القرآن مصدق لما" أي: المعاني التي اشتمل عليها ما جاء في الكتب، فضمير "فيه" راجع "لما"، وصح ذلك رعاية للفظ ما، وإن كان مدلولها متعددًا "أو تهييج الرسول عليه الصلاة والسلام" إثارته، "وزيادة تثبيته".

الصفحة 27