كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

له من نشاطه ومن سابق عادته الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك، كما هو شأن المعقود، ويكون قوله في الرواية الأخرى "حتى كاد ينكر بصره" أي صار كالذي ينكر بصره بحيث إنه إذا رأى الشيء تخيل أنه على غير صفته، فإذا تأمله عرف حقيقته. ويؤيد جميع ما تقدم: أنه لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام في خبر من الأخبار أنه قال قولًا فكان بخلاف ما أخبر.
قال بعضهم: وقد سلك النبي عليه الصلاة والسلام في هذه القصة مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب، ففي أول الأمر فوض وسلم لأمر به، واحتسب الأجر في صبره على بلائه، ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعفه عن فنون
__________
مطاعن الملحدة من نفس الحديث، ففي بعض طرقه سحره يهود حتى كاد ينكر بصره، وفي بعضها حبس عن عائشة سنة، وعند البيهقي عن ابن عباس: مرض صلى الله عليه وسلم وحبس عن النساء والطعام والشراب، فدلت هذه الطرق أن السحر إنما تسلط على ظاهر جسده، لا على عقله، فـ"يحتمل أن يكون المراد بالتخييل المذكور" في قوله: يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن "أنه يظهر له من نشاطه" أي طيب نفسه للعمل، كما في الأساس، "ومن سابق عادته" قبل السحر "الاقتدار" "بالرفع فاعل يظهر أي قدرته" "على الوطء، فإذا دنا" قرب "من المرأة فتر" "بفاء ففوقية ضعف" "عن ذلك" فلم ينهض له "كما هو شأن المعقود" الممنوع عن الجماع بالسحر وتسميه العامة المربوط وهذا جواب سؤال هو: إذا قلت: إن السحر لم يؤثر إلا في ظاهر بدنه، يرد عليك أن تخيل ما لم يقع واقعًا، يقتضي خللًا في الذهن والإدراك؛ وحاصل الجواب أنه لا يقتضيه كما كرره، "ويكون قوله في الرواية الأخرى" وهي رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب وعروة: سحر يهود بني زريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوه في بئر، "حتى كاد" أي قارب "ينكر بصره" أي: ما أبصر، أو ينكر نفس رؤيته لتأثير السحر، "أي صار كالذي ينكر بصره" لا أنه أنكره حقيقة، "بحيث إنه إذا رأى الشيء تخيل أنه على غير صفته" للضعف الطارئ في بصره من السحر، "فإذا تأمله عرف حقيقته" لأن تميزه باق على حاله، لم يطرأ عليه شيء.
"ويؤيد جميع ما تقدم" من الأجوبة "أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في خبر من الأخبار" المروية في قصة السحر "أنه قال قولًا، فكان بخلاف ما أخبر" إلى هنا كلام عياض بمعناه.
"قال بعضهم: وقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة مسلكي التفويض" التسليم "وتعاطي الأسباب، ففي أول الأمر فوض وسلم" "عطف تفسير" "لأمر ربه واحتسب الأجر"، عند الله "في صبره على بلائه، ثم لما تمادى ذلك وخشي" خاف "من تماديه أن يضعفه عن

الصفحة 449