كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)
واختلف في قوله: "من المن"، فقيل: من المن الذي أنزله الله على بني إسرائيل، وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلوًا، ومنه الترنجبيل فكأنه يشبه الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفوًا بغير علاج.
وقال الخطابي: ليس المراد أنها نوع من من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل، فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان كالترنجبيل الذي يسقط على الشجر، وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غر تكلف ببذر ولا سقي، وإنما
__________
"واختلف في قوله: من المن" أي في المراد به على ثلاثة أقوال: "فقيل: من المن الذي أنزله الله على بني إسرائيل" لأن في رواية لمسلم: من المن الذي أنزل على بني إسرائيل "وهو الطل الذي يسقط على الشجر" أي شجر البلوط.
قال المصنف: المن كل طل ينزل من السماء على شجر أو حجر وينعقد عسلًا، ويجف جفاف الصمغ كالشيرخشت والترنجبيل، والمعروف بالمن ما وقع على شجر البلوط، معتدل، نافع للسعال الرطب والصدر والرئة، "فيجمع ويؤكل حلوًا، ومنه الترنجبيل، فكأنه يشبه الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفوًا بغير علاج".
قال الحافظ عقب هذا: والقول الثاني: إن المعنى أنها من المن الذي امتن الله تعالى به على عباده عفوًا بغير علاج، قاله أبو عبيد وجماعة.
"وقال الخطابي: ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل، فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان كالترنجيل الذي يسقط على الشجر" وهذا ينبت في الأرض، "وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي" فهو من قبيل المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل، فيقع على الشجر فيتناولونه، ثم أار، يعني الخطابي إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل، كان أنواعًا منها ما يسقط على الشجر، ومنها ما يخرج من الأرض فتكون الكمأة منه؛ وهذا هو القول الثالث، وبه جزم الموفق عبد اللطيف البغدادي ومن تبعه، فقالوا: المن الذي أنزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط، بل كان أنواعًا من الله عليهم بها، من النبات الذي يوجد عفوًا، ومن الطير الذي يسقط عليهم من غير اصطياد، ومن الطل الذي يسقط على الشجر، والمن مصدر بمعنى المفعول، أي ممنون به، فلما لم يكن للعبد فيه شائبة كسب، كان منا محضًا، وإن كانت جميع نعم الله على عبيده منها منه عليهم، لكن خص هذا باسم المن، لكونه لا صنع لأحد فيه، فجعل سبحانه وتعالى قوتهم في التيه الكمأة، وهي تقوم مقام الخبز، وأدمهم السلوى، وهي تقوم مقام اللحم، وحلواهم الطل الذي ينزل على الشجر، فكمل بذلك عيشهم، ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من