كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

فقال: "صدق الله وكذب بطن أخيك".
وفي رواية لمسلم فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: "اسقه عسلًا"، فقال: سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال: "صدق الله".
وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون فقال في الرابعة: "اسقه عسلًا"، قال فأظنه، قال: فسقاه فبرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله وكذب بطن أخيك".
قال الخطابي وغيره: أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، يقال: كذب سمعك، أي زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له، فمعنى: كذب بطن أخيك،
__________
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، "فقال: إني سقيته" العسل، "فلم يزده إلا استطلاقًا" بعد السقي، ففي السياق حذف مستفاد من هذا، "فقال: "صدق الله" في قوله: فيه شفاء للناس، "وكذب" أخطأ "بطن أخيك" حيث لم يصلح لقبول الشفاء، لكثرة المادة الفاسدة التي فيه، ولذا أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها، فلما كرر ذلك برأ، كما في الرواية الأخرى أنه سقاه الثانية والثالثة، فإن ما ساقه المصنف، لفظ رواية قتادة عن أبي المتوكل، التي ذكرها بقوله: وفي رواية استطلق بطنه ففيها اختصار عند البخاري.
أما رواية سعيد بن أبي عروبة، عن أبي المتوك التي صدر بها، فهي تامة، ولفظها، فقال: إن أخي يشتكي بطنه، فقال: "اسقه عسلًا"، ثم أتى الرجل الثانية، فقال: "اسقه عسلًا"، ثم أتاه الثالثة فقال: "اسقه عسلًا"، ثم أتاه، فقال: فعلت، فلم يبرأ، فقال: "صدق الله وكذب بطن أخيك"، فسقاه فبرأ؛ فبين أن قوله: "صدق الله" إنما كان بعد أن جاء ثلاث مرات.
"وفي رواية لمسلم: فقال له ثلاث مرات" إني سقيته، فلم يزده إلا استطلاقًا، "ثم جاء الرابعة، فقال: "اسقه عسلًا"، فقال: سقيته، فلم يزده إلا استطلاقًا" لجذبه المادة، وكونه أقل من كميته، "فقال: "صدق الله" "وكذب بطن أخيك".
"وفي رواية أحمد، عن" شيخه "يزيد بن هارون" السلمي، مولاهم الواسطي بإسناده "فقال في الرابعة: اسقه عسلًا، قال: فأظنه قال: فسقاه فبرأ" "بفتح الراء والهمز بوزن قرأ" وهي لغة أهل الحجاز، وغيرهم يقولها "بكسر الراء بوزن علم، كما في الفتح"، "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله وكذب بطن أخيك" ففي هاتين الروايتين؛ أنه قال ذلك بعد الرابعة.
قال الحافظ: والأرجح أنه قاله بعد الثالثة، وفي رواية: فسقاه فعافاه الله سبحانه.
"قال الخطابي وغيره: أهل الحجاز يطلقون الكذب" الذي هو الإخبار، بخلاف الواقع عمدًا، أو سهوًا، أو جهلًا، لكن لا إثم فيهما، إنما هو في العمد "في موضع الخطأ" الذي هو خلاف الصواب قولًا أو فعلًا، "يقال: كذب سمعك، أي زل، فلم يدرك حقيقة ما قيل له" بل

الصفحة 487