كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)
أي لم يصلح لقبول الشفاء بل ذل عنه.
وقال الإمام فخر الدين الرازي: لعله صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه في الحال مع كونه عليه الصلاة والسلام كان عالمًا سيظهر نفع بعد ذلك كان جاريًا مجرى الكذب، فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ.
وقد اعترض بعض الملحدة فقال: العسل مسهل، فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟
وأجيب: بأن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَم
__________
أدرك الحكم على خلاف ما ألقي إليه وليس هو حقيقة الكذب؛ إذ الإخبار فيه بخلاف الواقع فهو دليل على إطلاق الكذب في موضع الخطأ.
زاد عياض: وكذا يقولون كذب بصرك إذا لم يدرك ما رأى، قال الشاعر:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرباب خيالًا
"فمعنى كذب بطن أخيك، أي يصلح لقبول الشفاء، بل ذل عنه" قال بعضهم فيه: إن الكذب قد يطلق على عدم المطابقة في غير الخبر.
قال في المصابيح: هو على سبيل الاستعارة التبعية، وفيه إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء، "وقال الإمام فخر الدين الرازي: لعله صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي" كأنه لم يقل بالوحي؛ لأنه ينشأ عنه أنوار تشرق في صدره، بل في جميع بدنه، يظهر بها من المعاني اللطيفة والأسرار الخفية ما تقصر العبارة عن بيانه، "أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه في الحال، مع كونه عليه الصلاة والسلام كان عالمًا؛ بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك، كان جاريًا مجرى الكذب" بحسب ظاهر الحال، وإلا فإذا كان الغرض علمه بالوحي أنه لا يصلح الآن، وإذا كرر صلح، يكون البرء متوقفًا على تكرر السقي، فهو متوقع، "فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ" اي كذب.
"وقد اعترض بعض الملحدة" هذا الحديث، "فقال: العسل مسهل" "بضم فسكون" من أسهل، أي مطلق للبطن، "فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال" مع أنه يزيده، وقد يؤدي إلى هلاكه.
"وأجيب: بأن ذلك جهل من قائله" لأنه أطلق في محل التقييد، "بل هو كقوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39] ، وجه الشبه أن هؤلاء بادروا إلى إنكار نفع