كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

ولم ينقل احد من أهل الأخبار أن أحدًا نبئ واصطفي ممن عرف بكفر وغشراك قبل ذلك، ومستند هذا الباب النقل.
ثم قال: وقد استبان بما قررناه ما هو الحق من عصمته صلى الله عليه وسلم عن الجهل بالله وصفاته، أو كونه على حالة تنافي العلم بشيء من ذلك كله جملة بعد النبوة عقلًا وإجماعًا، وقبلها سمعًا ونقلًا، ولا بشيء مما قرره من أمور الشرع وأداه عن ربه من الوحي قطعًا، عقلاً وشرعًا، وعصمته عن الكذب وخلف القول منذ نبأه الله
__________
الترقي "على إشراق"، أي: شدة ظهور "أنوار المعارف" في أحوالهم وأقوالهم: أي: معرفة ذات الله وصفاته، وكل ما يتعلق به، "ونفحات" جمع نفحة، وهي الروائح الطيبة التي تفوح "ألطاف السعادة" أي: كونهم سعداء الدارين، فشبه ما يلوح منهم من أماراتها برائحة طيب، يعبق، فيملأ الكون، "ولم ينقل أحد من أهل الأخبار" عن أحد غيره "أن أحدًا نبئ" بهمز آخره، أي: صيره الله نبيًا "واصطفى " أي: اصطفاه الله واختاره "ممن عرف بكفر وإشراك" عطف خاص على عام "قبل ذلك، أي: نبوته واصطفائه، و"ومستند" اسم مفعول، أي: ما يستند إليه ويعلم به "هذا الباب" أي: باب معرفة أحوال الأنبياء، "النقل" عن الأخبار والآثار، ويؤيدهخ العقل الدال على أنه تعالى لا يختار من خلقه لنبوته إلا من كان كذلك، فليس المراد الحصر، وقد عقبه عياض بما يدل على موافقة العقل للنقل، "ثم قال" بعد كلام طويل في الأجوبة عن آيات وأحاديث: ليس المراد ظاهرها.
"وقد استبان" أي: تبين: والسين للتأكيد لا الطلب، ولأن ما يثبت من شأنه أن يناقش فيه "بما قررناه" الباء للسببية، فإذا تأملته بأن لك "ما هو الحق من عصمته صلى الله عليه وسلم عن الجهل بالله وصفاته" بأن ينفي وجود ذاته، أو يتردد فيه، أو ينفي شيئًا من صفاته، أو يعتقد شيئًا منها على خلاف حقيقته، وكذا سائر الأنبياء، "أو" استبان لك عصمته من "كونه" أي: وجوده وخلقه، كسائر الأنبياء "على حالة تنافي العلم بشيء من ذلك" أي: ذاته وصفاته "كله جملة" فلا يجهل شيئًا من ذلك أصلاً لا سيما "بعد النبوة عقلًا" وشرعًا لقضائه بحيازته جميع الشرف والكمال، لأنه تعالى لا يصطفي غلا من هو كذلك، "وإجماعًا" من كل المسلمين "وقبلها سمعًا ونقلًا" في الأحاديث الصحيحة، والجمع بينهما للتوكيد، والمنصوبات تمييز، "ولا بشيء" عطف على قوله بشيء قبله"، أي: ولا كونه على حالة تنافي العلم بشيء "مما قرره من أمور الشرع" الذي أمر بتبليغه، "وأداه" أوصله وبلغه "عن ربه من الوحي قطعًا" مقطوعًا به، متيقنًا بلا خلاف "عقلًا وشرعًا، لأنه منافٍ لإرساله به وأمره بتبليغه، فكيف يجوز عليه جهل شيء منه، فالأنبياء معصومون من ذلك لدلالة المعجزات على علمهم وصدقهم فيما بلغوه عن الله، وإلا كان افتراء

الصفحة 5