كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)
وإنما يستعمل الكي في الخلط الباغي الذي لا تنقطع مادته إلا به، ولهذا وصفه صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولذا كانت العرب تقول في أمثلتها: آخر الدواء الكي.
والنهي فيه محمول على الكراهة أو على خلاف الأولى، لما يقتضيه مجموع الأحاديث، وقيل: إنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور، وكان موضعه خطرًا فنهاه عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح.
وقال ابن قتيبة: الكي نوعان: كي الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى. لأنه يريد أن يدفع القدر، والقدر لا يدافع، والثاني: كي
__________
لفظ: فلم تفلحن ولم تنجحن، أي الكيات، ونجح كمنع. "الحديث" كذا في النسخ: فيقتضي أن له بقية مع أنه ليس له بقية، وقد أحسن في شرحه تبعًا للحافظ، فلم يقل الحديث، "وإنما يستعمل الكي في الخلط الباغي" أي المتجاوز في خروج الدم، يقال: بغى الجرح إذا تراخى إلى الفساد، ومنه البغي الظلم والاعتداء والفساد، "الذي لا تنقطع مادته إلا به" أي الكي، "ولذا وصفه صلى الله عليه وسلم، ثم نهى عنه" فقال الشفاء في ثلاثة: "شربة عسل وشرطة محجم وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي"، رواه البخاري، عن ابن عباس: "إنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم" "بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة" الإشراف على الهلاك وخوف التلف، "ولذا كانت العرب تقول في أمثلتها: آخر الدواء الكي" وآخر الطب الكي.
قال السخاوي: كلام معناه أنه بعد انقطاع معرفة الشفاء يعالج به، ولذا كان أحد ما حمل عليه النهي عن الكي وجود طريق مرجو للشفاء سواه، "والنهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث" السابقة وغيرها من جوازه والنهي عنه، فيجمع بينها بذلك.
"وقيل: إنه" أي النهي "خاص بعمران" يعني: ومن شابهه في مرضه، بدليل قوله: وأنهى أمتي عن الكي، "لأنه كان به الباسور، وكان موضعه خطرًا، فنهاه عن كيه، فلما اشتد عليه كواه" حملًا له على التنزيه؛ "فلم ينجح" لم يظفر بزوال الباسور ولا ينافي ذلك ما رواه الحارث في مسنده عن الحسن عن عمران أنه شكا بطنه، فلبث زمانًا طويلًا، فدخل عليه رجل، فأمره بالكي، فاكتوى قبل وفاته بسنتين، وكان يسلم عليه، فلما اكتوى فقده، ثم عاد إليه؛ لأن وجع بطنه نشأ من اشتداد الباسور؛ لأنه يحبس الريح والغائط.
"وقال ابن قتيبة: الكي نوعان: كي الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل