كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)
الجرح إذا فسد، والعضو إذا قطع، فهو الذي شرع التداوي له، فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولى لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق.
وحاصل الجمع: أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، ولهذا وقع الثناء على تاركه، وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقًا إلى الشفاء.
وقال بعضهم: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عنه مع إثباته الشفاء فيه إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم الداء بطبعه فكرهه لذلك، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء لظنهم أنه يحسم الداء، فيتعجل الذي يكتوى التعذيب بالنار لأمر مظنون.
__________
من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر، والقدر لا يدافع" إذ لا بد من وقوعه.
"والثاني: كي الجرح إذا فسد، والعضو إذا قطع، فهو الذي شرع التداوي له" أي بالكي، "فإن كان الكي لأمر محتمل، فهو خلاف الأولى، لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق" إذ الشفاء بالدواء محتمل، فلا ينبغي فعله.
"وحاصل الجمع" بين الأحاديث "أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع" لجواز إن تركه خوفًا من الألم لا لمنع الفعل، "بل يدل على أن تركه أرجح من فعله" لأن تركه مع الإخبار بأن فيه شفاء، وحرص النفس على الخلاص من المرض دليل على أن الترك لمرجح عنده، "ولهذا وقع الثناء على تاركه" في حديث الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون".
"وأما النهي عنه، فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما" أي عن كي "لا يتعين طريقًا إلى الشفاء" فما نكرة موصوفة.
"وقال بعضهم: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عنه مع إثباته الشفاء فيه" بقوله: "الشفاء في ثلاث ... " الحديث المار قريبًا.
ورواه البخاري أيضًا ومسلم منه حديث جابر بلفظ: "إن كان في شيء من أدويتكم شفاء، ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار، وما أحب أن أكتوي"، "إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم" أي يقطع "الداء بطبعه، فكرهه لذلك" لأنه اعتقاد باطل، فالشافي إنما هو الله تعالى، فهو الذي يحسمه، "ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء لظنهم أنه يحسم الداء، فيتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار لأمر مظنون" فهو مكروه، أو خلاف الأولى.