كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)
سمعت به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه".
__________
الميم وكسر الراء" رأس سبط شمعون، والذي طعنهما فنحاص "بكسر الفاء وسكون النون، ثم مهملة فألف فمهملة" ابن هارون وقال في آخره: فحسب من هلك من الطاعون سبعون ألفًا، والمقلل يقول عشرون ألفًا، وهذه الطريق تعضد الأولى.
وذكر ابن إسحاق في المبتدأ أن بني إسرائيل لما كثر عصيانهم، أوحى الله إلى داود فخيرهم بين ثلاث: إما أن أبتليهم بالقحط سنتين، أو العدو شهرين، أو الطاعون ثلاثة أيام، فأخبرهم، فقالوا: اختر لنا، فاختار الطاعون، فمات منهم إلى أن زالت الشمس سبعون ألفًا، وقيل: مائة ألف، فتضرع داود إلى الله، فرفعه، وورد وقوع الطاعون في غير بني إسرائيل، فيحتمل أنه المراد بقوله: أو من كان قبلكم من ذلك، ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، قال: أمر موسى بني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشًا، ثم يخضب كفه في دمه، ثم يضرب به على بابه، ففعلوا، فسألهم القبط عن ذلك فقالوا: إن الله يبعث عليكم عذابًا، وإنا ننجوا منه لهذه العلامة، فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفًا، فقال فرعون عند ذلك لموسى: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَك} ، فدعا، فكشفه عنهم، وهذا مرسل جيد الإسناد.
وأخرج عبد الرزاق في تفسيره، وابن جرير عن الحسن في قوله تعالى: {الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243] ، قال: فروا من الطاعون، فقال لهم الله: موتوا، ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم، فأقدم من وفقنا عليه في المنقول ممن وقع الطاعون به من بني إسرائيل في قصة بلعام، ومن غيرهم في قصة فرعون، وتكرر بعد ذلك لغيرهم. انتهى.
"فإذا سمعتم به بأرض، فلا تدخلوا عليه" لأنه تهور وإقدام على خطر وإلقاء إلى التهلكة، كمن أراد دخول دار، فرأى فيها حريقًا تعذر طفؤه، فعدل عن دخولها لئلا يصيبه، وليكون ذلك أسكن للنفس وأطيب للعيش، ولئلا يقعوا في اللوم المنهي عنه بلوم أنفسهم فيما لا لوم فيه؛ لأن الباقي والناهض لا يتجاوز واحد منهم أجله، "وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها فرارًا منه" لأنه فرار من القدر، فالأول تأديب وتعليم، والثاني تفويض وتسليم.
قال ابن عبد البر: النهي عن الدخول لدفع ملامة النفس، وعن الخروج للإيمان بالقدر. انتهى.
والأكثر على أن النهي عن الفرار منه للتحريم، وقيل: للتنزيه، ومفهوم الحديث جوازه لشعل عرض غير الفرار، وحكى عليه لاتفاق.
قال الحافظ: ولا شك أن الصور ثلاث: ومن خرج لقصد الفرار محضًا، فهذا يتناوله النهي