كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)
وقد ذكر العلماء في النهي عن الخروج حكمًا.
منها: أن الطاعون يكون في الغالب عامًّا في البلد الذي يقع به، فإذا وقع فالظاهر مداخلة سببه لمن هو بها، فلا يفيده الفرار؛ لأن المفسدة إذا تعينت حتى لا يقع الانفكاك عنها كان الفرار عبثًا فلا يليق بالعاقل.
ومنها: أن الناس لو تواردوا على الخروج لصار من عجز عنه بالمرض المذكور أو بغيره، أو الكبر حيًّا وميتًا.
وأيضًا: فلو شرع الخروج. فخرج الأقوياء لكان في ذلك كسر قلوب الضعفاء. وقد قالوا: إن حكمة الوعيد في الفرار من الزحف لما فيه من كسر قلب من لم يفر، وإدخال الرعب عليه بخلافه.
وقد جمع الغزالي بين الأمرين فقال: الهواء لا يضر من حيث ملاقاته ظاهر
__________
لا محالة، ومن خرج لحاجة متمحضة، لا لقصد الفرار أصلًا، ويتصور ذلك فيمن تهيأ للرحيل من بلد إلى بلد كان بها إقامته مثلًا، ولم يكن الطاعون وقع، فاتفق وقوعه في أثناء تجهزه، فهذا لم يقصد الفرار أصلًا، فلا يدخل في النهي.
الثالث: من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها وانضم إلى ذلك، أنه قصد الراحة من الإقامة بالبلد التي وقع بها الطاعون، فهذا محل النزاع، كأن تكون الأرض التي وقع بها وخمة، والأرض التي يتوجه إليها صحيحة، فتوجه بهذا القصد إليها، فمن منع نظر إلى صورة الفرار في الجملة، ومن أجاز نظر إلى أنه لم يتمحض القصد للفرار، وإنما هو لقصد التداوي. انتهى.
"وقد ذكر العلماء في النهي عن الخروج حكمًا، منها: أن الطاعون يكون في الغالب عامًّا في البلد الذي يقع به، فإذا وقع، فالظاهر مداخلة سببه لمن هو بها، فلا يفيده الفرار؛ لأن المفسدة إذا تعينت حتى لا يقع الانفكاك عنها كان الفرار عبثًا، فلا يليق بالعاقل" فعله؛ إذ لا فائدة فيه، "ومنها: أن الناس لو تواردوا على الخروج لصار من عجز عنه بالمرض المذكور أو بغيره" من الأمراض، "أو الكبر" ضائع المصلحة لفقد من يتعهده "حيًّا" بالقيام بما يحتاجه، "وميتًا" بتجهيزه ودفنه، "وأيضًا" من الحكم، "فلو شرع الخروج فخرج الأقوياء، لكان في ذلك كسر قلوب الضعفاء" الذين لا يقدرون على الخروج.
"وقد قالوا: إن حكمة الوعيد في الفرار من الزحف" بنحو قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] ، "لما فيه من كسر قلب من لم يفر وإدخال الرعب عليه بخلافه، وقد جمع الغزالي بين الأمرين،