كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 9)

وقال ابن القيم: جمع صلى الله عليه وسلم للأم في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها، ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه، كمال التحرز منه، فإن في الدخول في الأرض التي هو فيها تعرضًا للبلاء وموافاة له في محل سلطانه، وإعانة الإنسان على نفسه، وهذا مخالف للشرع والعقل، بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشدنا الله إليها، وهي حمية عن الأمكنة والأهوية والمؤذية، وأما نهيهه عن الخروج من بلده ففيه معنيان.
أحدهما: حمل النفوس على الثقة بالله تعالى والتوكل عليه، والصبر على أقضيته والرضا.
__________
يفران منه.
ونقل ابن جرير: أن أباه موسى الأشعري كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون، وعن عمرو بن العاصي؛ أنه قال: تفرقوا من هذا الرجز في الشعاب والأودية ورءوس الجبال حملًا للنهي على التنزيه، وخالفهم الأكثر، وقالوا: إنه للتحريم، حتى قال ابن خزيمة: إنه من الكبائر التي يعاقب الله عليها، إن لم يعطف، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون غدة كغدة البعير المقيم بها، كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف"، رواه أحمد برجال ثقات.
وروى الطبراني وأبو نعيم بإسناد حسن، مرفوعًا: "الطاعون شهادة لأمتي ووخز أعدائكم من الجن غدة كغدة الإبل تخرج في الآباط والمراق، من مات منه مات شهيدًا، ومن أقام به كان كالمرابط في سبيل الله، ومن فر منه كان كالفار من الزحف".
"وقال ابن القيم: جمع صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها، ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه كمال" أي غاية "التحرز منه، فإن في الدخول في الأرض التي هو فيها تعرضًا للبلاء وموافاة" أي إتيانًا "له في محل سلطانه" قوته وشدته، "وإعانة الإنسان على نفسه، وهذا مخالف للشرع والعقل، بل" إضراب انتقالي لا إبطالي؛ كأنه قيل: وأيضًا "تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشدنا الله إليها" بنحو قوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، وهي حمية عن الأمكنة والأهوية المؤذية.
"وأما نهيه عن الخروج من بلده ففيه" أي ففي حكمته "معنيان".
"أحدهما: حمل النفوس على الثقة بالله تعالى" أي الاعتماد "والتوكل عليه، والصبر على أقضيته والرضا" بها.

الصفحة 527