كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وقال صاحب «التَّحْريرِ» : «حتَّى» هنا ليست للغايةن بل هي ابتداء وخبر وهذا وَهْمٌ إذ الغايةُ معنى لا يفارقها.
وقوله «بَلْ هي ابتداء وخبر» تسامح في العبارة يريدُ بل الجملة بعدها ثُمَّ الجملة التي في هذا المكان ليست ابتداء وخبر، بل هي جملة فعليّة، وهي قالوا و «إذَا» معموله لها.
وممن ذهب إلى أنَّها ليست للغاية الواحديُّ فإنَّه حكى في معنى الآية الكريمة أقوالاً، ثم قال: فعلى هذا القَوْلِ معنى «حتَّى» للانتهاء والغاية وعلى القولين الأوَّلين ليست «حتى» في هذه الآية الكريمة للغاية بل هي التي يقع بعدها الجمل وينصرف الكلام بعدها إلى الابتداء ك «أما» و «إذا» ولا تعلق لقوله: «حتّى إذا» بما قبله، بل هذا ابتداء خبر أخبر عنهم كقوله في ذلك: [الطويل]
2461 - فَيضا عَجَباً حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي ... كَأنَّ أبَاهَا نَهْشَلٌ أوْ مُجَاشِعُ
وهذا غير مرضي منه لمخالفته الجُمْهُور.
وقوله «لا تعَلُّقَ لها بما قبلها» ممنوع على جميع الأقوال التي ذكرها.
والظَّاهِرُ أنِّما تتعلّق بقوله «ينَالُهُمْ نصيبهم» .
فصل في إمالة «حتى»
قال الخليلُ وسيبويه: لا يجوزُ إماة «حتى» و «ألاّ» و «أمَّا» وهذه ألفات ألْزِمَتِ الفتح لأنَّها أواخر حروفٍ جاءت لمعاني يفصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف نحو: حبلى وهُدَى إلا أن «حتَّى» كتبت بالياء لأنَّها على أربعة أحرف فأشبهت سَكْرَى، قال بعض النحويين: لا يجوز إمالة «حتَّى» لأنَّها حرف لا يتصرف والإمالة ضرب من التصرف.
قوله: «يَتَوَفَّوْنَهُمْ» في محلّ نصب على الحال، وفي المراد بقوله: {رُسُلُنَا يَتَوفَّوْنَّهُمْ} قولان:
المراد بالرُّسل ملك الموت وبقوله: «يَتَوَفَّوْنَهُم» يقبضون أرواحهم؛ لأنَّ لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى. ح
قال ابنُ عبَّاسٍ: إنَّ الملائكة يطالبون بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزّجر والتّوبيخ.
الثاني: قال الحسن والزَّجَّاجُ في أحد قوليه: إنّ هذا لا يكون في الآخر ومعنى قوله: {جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} أي يتوفون مدتهم عند حشرهم إلى النار بمعنى يستكملون عدتهم حتَّى لا ينفلت منهم أحد.

الصفحة 104