كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

قوله «أَيْنمَا كُنْتُمْ» أي أين الشّركاء الذين كنتم تَعْبدُونَهُمْ من دون اللَّهِ وكتبت «أينَمَا» متصلة وحقُّها الانفصال، لأنَّ «ما» موصولة لا صلة إذ التقدير: أين الذين تدعونهم ولذلك كتبت {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ} [الأنعام: 134] منفصلاً و {إِنَّمَا الله} [النساء: 171] متصلاً.
قوله «ضَلُّوا» جواب من حيث المعنى لا من حيث اللَّفْظ، وذلك أنَّ السُّؤال إنَّما وقع عن مكان الذين كانوا يدعونهم من دون اللَّه، فلو جاء الجوابُ على نسق السُّؤال لقيل: هم في المكان الفلانيّ، وإنَّما المعنى: ما فعل معبودكم ومن كنتم تدعونهم، فأجَابُوا بأنَّهُمْ ضلُّوا عنهم وغابوا.
قوله: «وشَهِدُوا» يحتمل أن يكون نَسَقاً على «قالوا» الذي وقع جواباً لسؤال الرسل، فيكون داخلاً في الجواب أيضاً.
ويحتمل أن يكون مستأنفاً منقطعاً عما قَبْلَهُ ليس داخلاً في حيَّز الجواب كذا قال أبو حيَّان وفيه نظرٌ؛ من حيث إنَّهُ جعل هذه الجملة جواباً لعطفها على «قَالُوا» ، و «قالوا» في الحقيقة ليس هو الجواب، إنَّما الجوابُ هو مقولُ هذا القول، وهو «ضَلُّوا عَنا» ف «ضلُّوا عنَّا» هو الجواب الحقيقي الذي يُسْتَفَادُ منه الكلام.
ونظيره أن يقولك سألت زَيْداً ما فعل؟ فقال: أطعمتُ وكسوتُ فنفسُ أطعمتُ، وكسوتُ هو الجواب.
وإذا تقرَّرَ هذا فكان ينبغي أن يقول: «فيكون» معطوفاً على «ضَلُّوا عنَّا» ، ثمَّ لو قال كذلك لكان مُشْكلاً من جهة أخرى، وهو أنَّهُ كان يكون التركيب الكلامي: «ضلُّوا عَنَّا وشهدنا على أنفسنا أنَّا كنَّا» ، إلا أن يقال: حكى الجواب الثَّاني على المعنى، فهو محتمل على بُعْد بعيدٍ.
ومعنى الآية أنَّهُم اعترفوا عند معاينة الموت أنَّهُم كانوا كافرين.
اختلفوا في هذا القائل، فقال مقاتل: «هو كلامُ خازِنِ النَّارِ» ، وقال غيره: «هو كلام اللَّهِ» ، وهذا الاختلاف مبني على أنَّ الله - تعالى - هل يتكلَّمُ مع الكفار أم لا؟ ، وقد تقدمت هذه المسألة.
قوله: «فِي أمَمٍ» يجوزُ أنْ يتعلَّق قوله: «في أمَمٍ» وقوله «في النَّارِ» كلاهما ب «ادْخُلُوا» ، فيجيء الاعتراضُ المشهور وهو كيف يتلّق حرفا جرٍّ متحدا اللفظ والمعنى بعامل واحد؟ ، فيجاب بأحد وجهين:

الصفحة 105