كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

معترضة بينهما، وهذا الوجه أعرب، وإنَّمَا حسن وقوع هذا الاعتراض بين المبتدأ والخبر؛ لأنَّهُ من جنس هذا الكلام؛ لأنَّهُ لمَّا ذكر عملهم الصالح ذكر أنَّ ذلك العمل في وسعهم، وغير خارج عن قدرتهم، وفيه تَنْبِيهٌ لكفار على أنَّ الجنَّة مع عظم محلِّها يوصل إليها بالعَمَل السَّهْلِ من غير تحمل الصعب.
فصل في معنى قوله: «وسعها»
الوسعُ: ما يقدر الإنسان عليه في حال السِّعة والسُّهولة لا في حال الضّيق والشِّدَّة، ويدلُّ عليه قول معاذِ بْنِ جبلٍ في هذه الآية: إلا يسرها لا عسرها.
وأمَّا أقصى الطَّاقة فلا يسمَّى وسعاً، وغلط من قال: إن الوسع بذلك المجهود.
قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم} فالنزع هو بمعنى ينزع فهو على حد {أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] ، والنزع: قلع الشَّيء عن مكانه.
وقوله: «مِنْ غِلٍّ» يجوز أن تكون «مِنْ» لبيان جنس «مَا» ويجوز أن تكون حالاً متعلّقاً بمحذوف أي: كائناً من غلٍّ.
الغل: الحِقْد والإحْنَةُ والبُغْض، وكذلك الغُلُولُ.
قال أهل اللُّغَةِ: وهو الذي يغل بلطفه إلى صَميمِ القَلْب أي: يدخلُ، ومنه الغلول، وهو الوصول بالحيلَةِ إلى لاذُّنُوبِ الدقيقة.
ويقال: انغل في الشَّيء، وتغلغل فيه إذا دخل فيه بلطافته كما يدخل في صميم الفؤادِ وجمع الغل غلال، والغُلُولُ: الأخذ في خُفْيَةٍ، وأحسن ما قيل إنَّ ذلك من لفظ الغلالة كأنّه تدرع ولبس الحِقْدَ والخيانة حتَّى صار إليه كالغلالةِ الملبوسة.
فصل في تأويل الآية.
في الآية تأويلان:
أحدهما: أزَلْنَا الأحقادَ التي كانت لبعضهم في دار الدُّنْيَا، ومعنى نزع الغل: تصفية الطِّباع، وإسقاط الوساوس ومنعها من أن ترد على القلوب، فإن الشَّيطانَ لمَّا كان في العذابَ لم يتفرغ لإلقاء الوساوِس في القُلُوبِ، وإلى هذا المعنى أشار عليُّ بْنُ أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - إذ قال: «إني لأرجو أن أكون أنا، وعثمان، وطلحة، والزبير من الذين

الصفحة 117