كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

ومفعول «يَصُّدُّونَ» محذوف أي: يَصُدُّون النَّاسَ، ويجوز ألاّ يُقدر له مفعول.
والمعنى: الَّذين من شأنهم الصَّدُّ كقولهم: «هو يعطي ويمنع» .
ومعنى «يَصُدُّونَ» أي: يمنعون النَّاس من قبول الدين الحقِّ، إمَّا بالقهر، وإمّا بسائر الحِيَلِ.
ويجوز أن يكون «يَصُدُّونَ» بمعنى يعرضون من: صدَّ صُدُوداً، فيكون لازماً.
قوله: {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} أي بإلقاء الشكوك والشُّبُهَات في دلائل الدِّين الحق، ثم قال: و {بالآخرة كَافِرُونَ} .
وهذا يدلُّ على فساد ما قاله القَاضِي من أنَّ ذلك اللعن يعم الفاسق والكافر.
والعِوج بكسر العين في الدّين والأمر وكلّ ما لم يكن قائماً. وبالفتح في كلِّ ما كان قائماً كالحائظ والرُّمح ونحوه.
أي بين أصحاب الجنَّة وأصحاب النَّار، وهذا هو الظَّاهر كقوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} [الحديد: 13] .
وقيل: بين الجنَّة والنَّار، وبه بدأ الزَّمخشريُّ.
فإن قيل: وأي حاجة إلى ضرب هذا السُّورِ بين الجنَّة والنَّار، وقد ثبت أن الجنَّة. فوق والنَّار في أسفل السَّافِلِينَ؟ .
فالجوابُ: بُعد إحداهما عن الأخر لا يمنعُ أن يحصل بينهما سور وحجاب.
قوله: «وَعَلى الأعْرَافِ» : قال الزَّمَخْشَرِيُّ: أي: وعلى أعراف الحجاب.
قال القرطبيُّ: أعراف السّور وهي شُرَفُه، ومنه عُرْفُ الفَرَسِ وعرف الدِّيكِ، كأَنَّهُ جعل «أل» عوضاً من الإضافة وهو مذهب كوفي، وتقدَّم تحقيقه.
وجعل بعضهم نفس الأعْرَافِ هي نفس الحِجابِ المتقدم ذكره، عبر عنه تارةً بالحجاب، وتارةً بالأعراف.
قال الوَاحِديُّ - ولم يذكر غيره -: «ولذلك عُرِّفَت الأعراف؛ لأنَّهُ عني بها الحِجَاب» قال ابن عباس.
والأعراف: جمع عُرْف بضمِّ العَيْنِ، وهو كلُّ مرتفع من أرض وغيرها استعارةً من عُرْف الدّيك، وعُرْف الفرس.

الصفحة 124