كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

ومثله: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] قالوا: يُحتمل أن يَعثودَ الضَّميرُ في «اسْتَوَى» على «الرَّحْمِن» ، وإنْ يعود على الخَلْقِ، ويكون «الرَّحْمن» خبراً لمبتدأ محذوف أي: هو الرَّحْمنُ.
والعرشُ: يُطْلَقُ بإزاء معانٍ كثيرة، فمنه سَرِيرٌ الملكِ، وعليه، {نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} [النمل: 41] ، {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} [يوسف: 100] ، ومنه السُّلْطَان والعزُّ وعليه قول زهير: [الطويل]
2481 - تَدَارَكْتُمَا عَبْساً وقَدْ ثُلأَّ عَرْشُهَا ... وذُبْيَانَ إذْ زَلَّتْ بأقْدَامِهَا النَّعْلُ
وقول الآخر: [الكامل]
2481 - إنْ يَقْتُلُوكَ فَقَدْ ثَلَلْتَ عُرُوشَهُمْ ... بِرَبيعَةَ بْنِ الحَارِثِ بْنِ شِهَابِ
ومنه: خشب تُطوى به البِئرُ بعد أنْ يُطْوى بالحِجَارَةِ أسفلُها ومنه: ما يُلاقِي ظَهْرُ القَدَم وفيه الأصَابع، ومنه: السَّقْفُ، وكلُّ ما علاك فهو عَرْشٌ، فَكَأنَّ المَادَّةَ دائرةُ مع العُلُوِّ والرِّفعة ومنه عَرْشُ الكَرمِ، وعرشُ السِّمَاكِ أرْبَعَةُ كواكب صغار أسفل من العَوَّاء يقال إنَّها عَجُز الأسَدِ.
والعَرْشُ: اسم ملك والعَرْشُ المَلِكُ والسُّلطَانُ. يقال: قد ذهب عرش فلان أي: ذهب مُلْكُهُ وعِزهُ وسُلْطَانُهُ قال زُهَيْرٌ: [الطويل]
2483 - تَدَارَكْتُمَا عَبْساً وَقَدْ ثُلَّ عَرْشُهَا ... وذُبْيَانَ إذْ زَلَّتْ بأقْدَامِهَا النَّعْلُ
وقد تُؤُوِّل العَرْشُ في الآيَةِ بمعنى الملكِ أي: ما استوى الملِكُ الإلَهُ عزَّ وجلَّ.
فصل في تنزيه الله تعالى
قال القرطبي: الأكثَرُ من المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ على أنَّهُ إذا وجب تَنْزيهُ البَارِي سبحانه على الجِهَةِ والتَّحَيُّزِ، فمن ضرورة ذلك ولوازمه عِنْدَ عامَّة العُلَمَاءِ المُتقدِّمينَ، وقادتِهِمْ من المتأخِّرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهَةِ، فَلَيْسَ بجهة فوض عِنْدَهُمْ؛ لأنَّهُ يلزمُ من ذلك عِنْدَهُم متى اختص بجهة أنْ يكون في مكان وحيِّزٍ، ويلزمُ على المكان والحيِّزِ الحركةُ والسُّكُونُ، ويلزم من الحركةِ والسُّكُونِ التَّغَيُّرُ والحُدُوثُ، هذا قول المتكلِّمينَ وقد كان السَّلَفُ الأولُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - لا يقولون بنفي الجهةِ، ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكَافَّةُ بإثْبَاتِهَا لله - تعالى - كما نَطَقَ كِتَابهُ، وأخبرت [رسله] ، ولم

الصفحة 144