كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وقيل: تَبَارَكَ: تَفَاعَل، من البَرَكَةِ وهي النَّمَاءُ والزِّيَادَةُ، أي: البركةُ تكسب، وتنالُ بذكْرِهِ.
وعن ابن عَبَّاسِ قال: جَاءَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ.
وقال الحسنُ: تَجِيءُ البَرَكَةُ من قِبَلِهِ.
وقيل: تبارك: تَقَدَّس، والقُدْسُ: الطهارة.
وقال المحقِّقُونَ: معنى هذه الصِّفَةِ، ثبت ودام كما لم يزل ولا يزال، وأصلُ البركةِ الثُّبُوتُ ويقال: تَباركَ اللَّهُ ولا يقال: يتباركُ ولا مباركٌ؛ لأنَّهُ لم يرد به التَّوقيف.
وقوله: «رَبُّ العَالمينَ» والعالمُ: كلُّ موجود سوى الله تعالى.
لمَّا ذكر الدَّلائلُ الدّالة على كمالِ القُدْرَةِ، والحكمة، والرَّحْمَةِ أتبعه بذكر الأعْمَال اللاَّئقةِ بتلك المعارفِ، وهو الاشتغالُ بالدُّعَاءِ والتَّضَرُّع، فقوله: «تَضَرُّعاً وخُفْيةً» نُصِبَ على الحال: أي: متضرعين مُخْفين الدُّعَاءَ ليكون أقْرَبَ إلى الإجَابَةِ. ويجوزُ أن ينتصبا على المصدرِ، أي: دعاءَ تضرّعٍ وخُفْيةٍ.
وقرأ أبُو بَكْرٍ: «خِفْية» بكسر الخاء، وقد تقدَّم ذلك في الأنعام إلا أنَّ كلام أبي عليٍّ يُرْشد إلى «خِفْيَةً» بالكسر بمعنى الخَوْفِ، وهذا إنَّما يَتأتَّى على ادِّعاءِ القلْب أي يُعتقد تقدم اللاَّم على العَيْنِ وهو بعيدٌ؛ لأنَّهُ كان يَنْبَغِي أنْ تعود الواو إلى أصلها، وذلك أن «خِفْية» ياؤُهَا عن واو لسكونها وانكسار ما قبلها، [ولمَّا أخِّرَت الواوُ تحرَّكتْ، وسُكِّن ما قبلها،] إلاَّ أن يقال: إنَّهَأ قلبت متْرُوكَةً على حالها.
وقرأ الأعمش «وخِيْفة» وهي تؤيِّدُ ما ذكره الفَارِسِيُّ، نقل هذه القراءة عنه أبو حَاتِمٍ.
قوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} قرأ ابن أبي عَبْلَة «إنَّ اللَّه» أتى بالجلالةِ مكان الضَّميرِ، والمُرَادُ بالتَّضَرُّعِ: التَّذَلُّلُ والاستكانة، وبالخية: السِّرُّ.

الصفحة 156