كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

ثم قال تعالى: {لَعلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي: أنكم لما شاهدتم أنَّ هذه الأرض كانت مزيَّنَة وقت الرَّبيع والصَّيْفِ بالأزهار والثِّمار، ثم صارت عند الشِّتاء ميتة عارية عن تلك الزّينة، ثم إنَّهُ تعالى أحياها مرَّةً أخرى، فالقادر على إحيائها بعد موتها يَجِبُ أن يكون قَادِراً على إحياء الأجساد بَعْدَ موتها أيضاً.
قيل: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكَافِر بالأرْضِ الخيرة والأرض السَّبِخَةِ، وشبه نُزُولَ القرآن بنُزُولِ المطرِ، فشبّه المؤمن بالأرض الخيرةِ التي ينزلُ عليها المَطَرُ، فَتُزْهِرُ وتثمرُ، وشبَّهَ الكافر بالأرض السَّبخة، فهي وإنْ نزل عليها المطر لم تزهر ولم تثمر.
وقيل: المرادُ أنَّ الأرض السَّبخة يقلُّ نفعها وثمرها، ومع ذلك فإن صاحبها لا يهمل أمرها، بل يتعب نفسه في إصلاحها طمعاً منه في تحصيل ما يليقُ بها من المَنْفَعَةِ، فمن طلبَ هذا النفع اليَسِيرَ بالمشَقَّةِ العظيمة، فلأن يطلب النَّفْعَ العَظيم الموعود به في الآخرة بالمَشَقَّةِ الَّتِي لا بد من تحصيلها في أداء الطَّاعاتِ أوْلَى.
قوله: «بإِذْنِ رَبِّهِ» يجوزُ أن تكون «الباء» سببية أو حالية وقرىء: «يُخْرِجُ نَبَاتَهُ» ، أي: يخرجه البلد وينبته.
قوله: «والَّذِي خَبُثَ» يريد الأرْضَ السَّبخةَ التي لا يخرج نباتها.
يقال: خَبُثَ الشَّيءُ يَخْبُثُ خُبثاً وخَبَاثَةً.
قال الفراء: قوله: «إلاَّ نَكِداً» فيه وجهان:
أحدهما: أن ينتصب حالاً أي عَسِراً مُبْطئاً. نَكِدَ يَنْكَدُ نَكَداً بالفَتْحِ، فهو نِكدٌ بالكسر.
والثاني: أن ينتصب على أنَّهُ نَعْتُ مصدرٍ محذوفٍ، أي: إلاخروجاً نَكداً، وصف الخروج بالنَّكد كما يوصَفُ به غيره، ويؤيِّدُهُ قراءة أبي جعفر بن القَعْقَاعِ: «إلاَّ نَكَداً» بفتح الكاف.
قال الزَّجَّاج: وهي قراءة أهْلِ المدينةِ، وقراءة ابن مصرِّف: «إلا نَكْداً» بالسُّكُونِ وهما مصدران.

الصفحة 172