كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

قوله: {ما لكم من إله غيره}
قرأ الكِسَائِيُّ «غيره» بخفض الرَّاءِ في جميع القُرآنِ، والباقون برفعها، وقرأ عيسى بْنُ عمرَ بنصبها، فالجرُّ على النَّعْتِ والبَدَلِ من موضع «إله» ؛ لأن «مِنْ» مزيدة فيه، وموضعه رفع: إما بالابتداء، وإمَّا بالفاعليةَّ، ومنع مكيٌّ في وجه الجرِّ أن تكون بدلاً من إله على اللَّفْظِ، قال: كما لا يَجُوزُ دخول «مِنْ» لو حذفت المبدل منه؛ لأنّضاه لا تدخل في الإيجابِ، وهذا كلام متهافت.
والنَّصْبُ على الاستِثْنَاءِ، والقراءتانِ الأوليانِ أرجح؛ لأنَّ الكلام متى كان غير إيجاب، رجَّح الاتباع على النَّصْبِ على الاستثناء وحكم غير حكم الاسم الواقع بعد «إلاَّ» ، و «مِنْ إلهٍ» إذا جَعَلْته مبتدأ فلك في الخبر وجهان:
أظهرهما: أنَّهُ «لَكُمْ» .
والثاني: أنَّهُ محذوف، أي: ما لكم من إله في الوجود، أو في العالم غير الله، و «لَكُمْ» على هذا تخصيص وتبيين.
فصل فيما تضمنته الآية من حذف
قال الواحِدِيُّ: «في الكلام حذفٌ، وهو خبر ما؛ لأنَّكَ إذا جعلت غيره صفة لقوله:» إله «لم يبق لهذا المنفي خبر، والكلامُ لا يستقِلُّ بالصِّفةِ والموصوف، فإنَّكَ إذا قلتَ: زيدٌ العاقلُ وسكتَّ لم يُفِدْ ما لم تذكر خبره ويكون التَّقْدِيرُ: ما لكم من إله غيره في الوجود» .
قال ابن الخطيب: اتَّفَقَ النَّحويُّونَ على أنَّ قولنا: «لا إله إلا الله» لا بد فيه من إضمار، والتَّقْديرُ: لا إله في الوجود إلا الله ولا إله لنا إلا الله، ولم يذكروا على هذا الكلام حجَّةً، فنقولُ: لِمَ لا يجوز أن يقال: دخل حرف النَّفي على هذه الحقيقةِ وعلى هذه الماهِيَّةِ، فيكون المعنى أنَّهُ لا تحقق لحقيقة الإلهية إلا في حقِّ الله تعالى، وإذا حملنا الكلامَ على هذا المعنى استغنينا عن الإضْمَارِ الذي ذكروه.
فإنْ قالوا: صرف النفي إلى الماهِيَّةِ لا يمكنُ؛ لأنَّ الحقائِقَ لا يُمْكِنْ نَفْيُهَا، فلا يمكن أن يُقَال: لا سواد بمعنى ارتفاع هذه الماهِيَّةِ، وإنَّمَا الممكن أن يقال: إنَّ تلك

الصفحة 177