كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وقيل: أعلم أنَّهُ يعاقكم في الآخرة عذاباً شديداً، خارجاً عمَّا تتصوَّرُهُ عقولُكْمْ.
وقيل: أعلم من توحيد الله وصفاتِ جلالهِ ما لا تعلمون. والمقصود من ذكر هذا الكلام: حملُ القَوْمِ على أنْ يرجعوا إليه في طلب تلك العُلُومِ.
واعلم أنَّ نوحاً - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - أزال تعجبهم وقال: إنَّه تعالى خالق الخلق، فله بحكم الإلهية أنْ يأمر عبيده ببعض الأشياء وينهاهم عن بعضها، ولا يجوزُ أن يخاطبهم بتلك التَّكاليف من غير واسطة؛ لأنَّ ذلك ينتهي إلى حَدِّ الإلجاء، وهو يُنَافِي التَّكْلِيف، ولا يجوز أن يكون ذلك الرسُولُ من الملائكة، لما تقدَّم في «الأنعام» في قوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} [الأنعام: 9] ، فلم يَبْقَ إلا أن إيصال التَّكالِيف إلى الخَلْقِ بواسطة إنسان يبلغهم، وينذرهم ويحذرهم، وهذا جوابُ شُبَهِهم.
قوله: «أوَ عَجْبتُمْ» ألفُ استفهامٍ دخلت على واو العَطْفِ، وقد تقدَّم الخلافُ في هذه الهَمْزَةِ السَّابقة على الواو، وقدَّر الزمخشري على قاعدته معطوفاً عليه محذوفاً تقديره: أكذَّبْتُمْ وعجبتم «أنْ جَاءَكُمْ» أي: مِنْ جاءكم، فلما حذف الحَرْفَ جرى الخلاف المشهورُ.
«مِنْ رَبِّكُمْ» صفةٌ ل «ذِكْر» .
«عَلَى رَجُلٍ» : قال ابْنُ قُتَيْبَةَ: [قال الفرَّاءُ] : يجوز أن تكون على حذف مضافٍ، أي: على لِسَانِ رَجُل «.
وقيل: على بمعنى» مع «، أي: مع رجل فلا حذف.
وقيل: لا حاجة إلى حَذْف، ولا إلى تضمين حرف؛ لأنَّ المعنى أُنزل إليكم ذِكْر على رَجُلٍ، وهذا أوْلى؛ لأنَّ التَّضْمِينَ في الأفعال أحسن منه في الحُرُوفِ لقوَّتِهَا وضعف الحُرُوفِ.
فصل في معنى» الذكر «
قال ابنُ عَبَّاسٍ: الذَّكْرُ الموعظة.
وقال الحَسَنُ: إنه الوَحْيُ الَّذي جَاءَهُمْ بِهِ.
وقيل: المراد بالذِّكْرِ المُعْجِز.
وقيل: بيان» عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ «أي تعرفون نسبه، فهو منكم نسباً.
» ليُنْذِرْكُمْ «أي: لأجْلِ أن ينذركم عذابَ اللَّه.
» وَلِتَتَّقُوا «أي: لكي تَتَّقُوا.
» وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون «أي: لكي ترحموا.

الصفحة 182