كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

قوله: {فاذكروا آلآءَ الله} ، أي: نعمه، وهو جمع مفرده «إلْي» بكسر الهمزة وسُكُونِ اللاَّمِ؛ كحِملْل وأحْمَالِ، أو «ألْيٌ» بضمِّ الهمزة وسُكُونِ اللاَّمِ: كقُفْل، وأقْفَالٍ، أو «إلى» بكسر الهمزة، وفتح اللام؛ كضِلَع وأضلاع، وعِنَب وأعْنَاب، أو «ألَى» بفتحهملا كقَفَا وأقْفَاء؛ قال العْشضى: [المنسرح]
2501 - أبْيَضُ لا يَرْهَبُ الهُزَالَ وَلاَ ... يَقْطَعُ رِحْماً ولا يَخُونُ ألَى
يُنشد بكسر الهمزة، وهو المشهورُ، وبفتحها؛ ومثلها «الآنَاء» جمع «إِنْي» أو «أُنْي» أو «إِنّى» أو «أَنّى» .
وقال الأخفش: «إنْوٌ» .
والآناء الأوقات كقوله: {وَمِنْ آنَآءِ الليل} [طه: 130] ، وسيأتي.
ثم قال: «لعلَّكُم تُفْلِحُونَ» فلا بُدَّ هاهنا من إضمار؛ لأنَّ الصَّلأاح الذي هو الظَّفر بالثَّواب لا يحصل بمجرد التذكر، بل لا بدّ من العمل، والتقدير: فاذكروا آلاء اللَّهِ واعملوا عملاً يليق بذلك الإنعام لعلّكم تفلحون.
قوله: «لِنَعْبُدَ» متعلق بالمجيء الذي أنكروه عليه.
واعلم أنَّ هوداً - عليه السلام - لما دعاهم إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدَّلِيل القاطع، وهو أنَّهُ بيَّن أنَّ نعم الله عليهم كثيرة والأصنام لا نعمة لها؛ لأنَّهَا جمادات، والجمادُ لا قُدْرَةَ له على شَيْءٍ أصلاً - لم يكن للقوم جوابٌ عن هذه الحُجَّةِ إلا التمسك بالتَّقْليد فقالُوا: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} فأنكروا عليه أمره لهم بالتَّوحيد، وترك التقليد للآباء، وطلبوا منه وقوع العذاب المشار إليه بقوله: «أفَلاَ تَتَّقُونَ» وذلك أنَّهُم نسبوه إلى الكذب، وظنُّوا أنَّ الوعيد لا يتأخر، ثم قالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} جوابه محذوف أو متقدِّم ب «ما» ، وذلك لأنَّ قوله: {اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} مشعر بالتَّهْديد والتّضخويف بالوعيد، فلهذا قالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ} .
قوله: {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} جوابه محذوف أو مُتَقَدِّم، وهو فأت به.
واعلم أنَّ القوم كانُوا يتقدون كذبه لقولهم: {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} فلهذا قالوا: {فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [الشعراء: 31] وإنَّما قالُوا كذلِكَ لظنهم أن الوعيد لا يجوز أن يتأخر، فعند ذلك قال هود - عليه السلام -: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ} ، أي: وجب عليكم.
فصل في تفسير هذه الآية
قال القَاضِي: تفسير هذه الآية على قولنا ظاهر؛ لأنَّ بعد كفرهم وتكذيبهم

الصفحة 189